أعلنت الحكومة المصرية مبادرة لتحفيز الاستهلاك وتشجيع المنتج المحلى تحت شعار « مايغلاش عليك » وذلك عن طريق منح نسب خصم 20%على أسعار السلع الداخلة فى المبادرة وتشمل نحو 4231 منتجًا، تضم العديد من السلع الاستهلاكية المعمرة وغير المعمرة، بالإضافة إلى دعم آخر لحاملى البطاقات التموينية وعددها 22 مليون بطاقة بمبلغ 200 جنيه وبحد أقصى ألف جنيه للبطاقة الواحدة، تتحملها الخزانة العامة، وذلك لمدة ثلاثة أشهر. وتأتى هذه المبادرة فى إطار الرغبة فى تحفيز الاستهلاك وضمان حصول المواطن على السلعة الجيدة بالأسعار المناسبة، جنبا إلى جنب مع العمل على مساندة الصناعة المحلية وتدعيم المنتج المصرى عن طريق تشجيع شراء المنتجات المحلية. ويرجع السبب فى ذلك إلى كون الاستهلاك النهائى كان هو المحرك الرئيسى للنمو خلال الفترات السابقة قبل أن يتراجع لمصلحة الاستثمار وصافى التجارة الخارجية خلال العامين الماضيين. إذ هبط معدل نمو الاستهلاك الخاص إلى 0.9% خلال العام المالى 2018/2019 مقابل نحو 4.6% عام 2015/2016 وكذلك الاستهلاك العام الذى هبط من 3.9% إلى 2.8% خلال نفس الفترة وبالتالى هبطت نسبة الاستهلاك النهائى للناتج المحلى الاجمالى من 98.2% عام 2016/2017 إلى 90.6% عام 2018/2019 وانخفضت نسبة مساهمته فى معدل النمو إلى اقل من 1%، نتيجة لتراجع القوى الشرائية واصبحت معدلات نمو نصيب الفرد من الاستهلاك سالبة وبالتالى انخفضت مستويات الاستهلاك الفعلى وفقا لمؤشرات بحث الدخل والانفاق. ومما زاد من صعوبة الوضع الآثار السلبية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا والتى أدت لانخفاض دخول نحو 75% من الأفراد، إما بسبب التعطل أو تخفيض الأجور. من هنا تأتى أهمية هذا الإجراء خاصة مع قيام الحكومة ببعض الأمور المهمة فى هذا الصدد يأتى على رأسها رفع حد الإعفاء الضريبى وتوسيع الشرائح الضريبية وتخفيض المعدل على الشريحة الدنيا فضلا عن زيادة الأجور والمعاشات التى تقررت مؤخرا. يضاف إلى ماسبق هبوط معدل التضخم السنوى إلى أدنى مستوى له منذ نحو أربعة عشر عاما تقريبا، حيث وصل إلى 4.7%خلال مايو 2020 وهبط خلال الفترة (يوليو مايو 2019/2020) إلى نحو 5.7% مقارنة بنحو 14.3% خلال نفس الفترة من العام السابق. ومن المعروف أن التضخم وارتفاع الأسعار هما العدو الرئيسى لأصحاب الدخول الثابتة (سواء مكتسب الأجور والرواتب أو أصحاب المعاشات) وبالتالى فان اى بادرة تحسن فى هذا المؤشر تصب مباشرة فى مصلحه هؤلاء، جدير بالذكر أن تراجع معدل التضخم لا يعنى بالضرورة انخفاض الأسعار ولكنه يشير ببساطة إلى أن الزيادة فى الأسعار قد تم احتواؤها أو على الأقل لم تزد إلا بمعدلات اقل من المعدلات السابقة. إن الانخفاض فى معدل التضخم أسهم فى تعزيز الثقة فى الجنيه المصري، رغم تراجع الايرادات من المصادر الرئيسية للعملات الاجنبية ( السياحة وتحويلات العاملين بالخارج والاستثمار الاجنبى المباشر والصادرات ورسوم المرور فى قناة السويس) وهى القطاعات التى تضررت بسبب انتشار فيروس كورونا. ولكن على الجانب الآخر فقد انخفض العجز التجارى (بدون البترول) نتيجة للتراجع الكبير فى الواردات غير البترولية خلال الفترة (يناير مايو 2019) من 29.9 مليار دولار إلى 23.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الحالى وبنسبة انخفاض 21.2% بينما تراجعت قيمة الصادرات غير البترولية من 11.2 مليار دولار إلى 10.3 مليار خلال نفس الفترة وبمعدل انخفاض 7.8% الامر الذى اسهم فى تحسن اوضاع الميزان التجارى. ولا يمكن إنكار أن المستهلك فى مصر يمثل أضعف حلقات التعامل فى السوق المصرية، وأن هناك ضرورة لحمايته، وأساس ذلك أن المستهلك يمثل محور العملية الاقتصادية بالنظر إلى ان اقتصاد السوق يعتمد اساسا على أن تخصيص الموارد بين أوجه النشاط الاقتصادى المختلفة تتم فى التحليل الأخير وفقاً لرغبات المستهلك. وبالتالى فإن حمايته تعد من أهم أهداف السياسة الاقتصادية. وعلى الجانب الآخر فان المنتجين المحليين امامهم فرصة ذهبية للاستفادة مما يحدث على الصعيد الدولى وانخفاض حركة التجارة الدولية وهو مايمكنهم من الاحلال محل الواردات،وسد حاجة الطلب المحلي. وهو ما يتطلب أن يكون السوق المحلية على اعلى درجة من التنافسية حتى لا يتعرض المستهلك لسيطرة القلة من المحتكرين وبالتالى تؤدى إلى وقوع المستهلك اسيرا فى يد هؤلاء. ولكى تتحقق هذه الأهداف لابد من توافر العديد من العناصر الأساسية والمهمة يأتى على رأسها وجود جهاز إنتاجى متنوع وقوى وقادر على الإحلال محل الواردات التى سيتم التحكم فيها وكذلك سهولة وإمكانية الانتقال لعناصر الإنتاج بين القطاعات الاقتصادية وبعضها البعض لكى تنتج المزيد من هذه السلع. ولكى تنجح هذه السياسة وغيرها يجب أن تتم فى اطار متناسق ومتناغم مع غيره من الادوات، ولذلك لابد من اعادة النظر فى بعض الاجراءات التى يمكن أن تحد من فاعلية هذا القرار يأتى على رأسها القانون الخاص بخصم 1% من اجور العاملين بالدولة و0.5% من اصحاب المعاشات خاصة ان زيادة الأجور تعد من أهم الطرق التى تستطيع بها الحكومات ضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشة اللائقة لقطاعات لا بأس بها من السكان. فضلا عن انها تعد المصدر الأساسى للإنفاق الاستهلاكى لقطاع عريض من المجتمع وبالتالى فهى تسهم فى إنعاش الاقتصاد القومي، وذلك فى ضوء الميل المرتفع للاستهلاك لدى هذه الشريحة. وعلى الجانب الآخر فرغم قيام البنك المركزى بتخفيض معدلات الفائدة، إلا أن بعض البنوك قامت بإصدار شهادات ادخارية ذات عائد ثابت (15%) لمدة عام والتى تم طرحها فى الثانى والعشرين من مارس الماضى وبلغت قيمة الاكتتابات فيها حتى منتصف يوليو الحالى نحو 255 مليار جنيه وهو ما يعنى سحب جزء من السيولة من السوق وبالتالى الحد من الاستهلاك، الأمر الذى يتطلب التنسيق بين السياسات الاقتصادية وبعضها البعض لان النمو يتحدد فى نهاية الأمر بالتفاعل بين كل المتغيرات الرئيسية للاقتصاد الكلي، والتى لا تتأثر جميعها فى نفس الوقت بعامل واحد فى حد ذاته فحسب، بل تتأثر بالسياسة الاقتصادية العامة. نقلا عن صحيفة الأهرام