د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات ليس غريبا أن تكون لوحة المُبدع الفذ ليوناردو دافنشى موناليزا المقصد الأول لزوار متحف اللوفر الفرنسى ، الذى فتح أبوابه قبل أيام، بعد نحو أربعة أشهر على إغلاقها. زوار من بلدان مختلفة تمكنوا من السفر إلى باريس، رغم المشقة التى يتكبدها المسافرون بالطائرات لضمان سلامتهم. بينهم من شاهد « موناليزا » من قبل، واشتاقوا إليها فى أصلها المحفوظ بعناية فائقة فى هذا المتحف، ومن سعوا إليها للمرة الأولى. تحظى هذه اللوحة بشهرة لم ينل أى عمل فنى مثلها. ولذلك، أدى وجودها فى اللوفر منذ نهاية القرن الثامن عشر بعد اندلاع الثورة الفرنسية (9871)، إلى تصدره متاحف العالم من حيث أعداد الزوار منذ أن ذاعت شهرتها فى مطلع القرن العشرين. ولم تأت شهرتها، والاهتمام الواسع بها، من فراغ، رغم أنها ليست أفضل أعمال عصر النهضة ولا أجمل لوحات دافنشى، من حيث شكل المرأة المرسومة فيها. فهى لا تُعد جميلة حتى حين نقارنها بامرأة أخرى رسمها دافنشى فى لوحة « العذراء بين الصخور » أو سيدة الصخور. ولكن أهم ما يميز موناليزا النظرة التى يصعب إدراك مغزاها، إلى حد أنه فى كل مرة يشاهدها الشخص نفسه قد يجد فيها معنى مختلفا. فقد تراها نظرة ساحرة، وقد تجد فيها شيئا من الحزن، وربما تعتقد أنها نظرة تأمل. ولكنك فى كل مرة تنظر إليها تستأثر بعقلك، وليس بعينيك فقط، وتأسرك حيويتها. ويعرف المطلعون على تاريخ أوروبا، وموقع عصر النهضة فيه، أن اللوحة مختلفة فى روحها لأنها كانت بداية تحول من حالة جمود تاريخى انعكست على الفن، فكان الأشخاص فى اللوحات يشبهون التماثيل فى جمودها وخلوها من الحياة. ولذلك ربما يجوز القول إن موناليزا تعبر عن لحظة اكتشاف الإنسان عقله، وبالتالى نفسه وقدرته على الإبداع. فلم يكن مألوفا عام 3051، حين أبدعها دافنشى، أن يرسم الفنان لوحة تعبر عن روح الإنسان العادى الذى كان قد بدأ لتوه التحرك مستخدما عقله لتحريك التاريخ، بعد أن بقى طويلا على هامش الحياة . ألا تستحق موناليزا إذن، السعى إليها؟. نقلا عن صحيفة الأهرام