امتازت الأمة المصرية على سائر الأمم منذ مرحلة مبكرة في تاريخ الإنسانية في تقرير النظم الإدارية الضابطة لحركة الحياة المدنية بمجالاتها المختلفة؛ كضمانة لتحقيق مبدأ العدل وسيادة القانون، وترسيخ أن الوظيفة العامة ما هى إلا القيام بخدمة الشعب، وليست طريقة للتسلط عليه واستعباده وقهره. وهى صورة مشرفة تعكس الأبعاد الحضارية المكتملة لدى المصريين، التى تولى مبدأ الشورى أولوية مطلقة كإحدى الدعامات الأساسية في بناء الدولة ونظام الحكم الرشيد الذي يقوم على الاستفادة من طاقات الشعب الكامنة؛ استجابة لقول الله تعالى في ذكر سمات المؤمنين الفائزين: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ). ولقد حرصت الأمة المصرية على الاستفادة من هذا المجال الحيوي وتطويره كركيزة أساسية في نظام الدولة الحديثة الذى يرجع تأسيسه إلى عهد محمد على من خلال إنشاء المجلس العالى في سنة 1824م كبداية حقيقية لأول مجلس نيابي يراعى تمثيل فئات الشعب المختلفة، ثم ظل التطوير سمة من سمات هذه الحياة النيابية، حتى مجلس النواب الحالى المنتخب عام 2016م الذى يستمد مشروعيته من دستور 2014م المعبر عن أهداف ورسالة ثورة 30 يونيو 2013م. ولا شك أن هذا المجلس الموقر قد شهد طفرة غير مسبوقة في تاريخ الحياة النيابية المصرية، سواء من جهة تمثيل أعضائه وتشكيله الفريد، أو من جهة الاختصاصات الواسعة المنوطة به بموجب دستور 2014م والذى شرفت أن أكون عضوا في لجنة الخمسين المكلفة بصياغته أو من جهة مهامه ومسئولياته التى علق الشعب المصرى آمال تحقيقها عليه، وهى تطلعات مشروعة وواجبة تتلخص في حماية الدولة المصرية وأمنها القومي ومصالحها العليا مع العودة إلى ثوابت الهوية المصرية وملامحها التاريخية والحضارية والثقافية، وإرادة الإصلاح في كل المجالات. وهى مبادئ سامية تحرك في ضوئها مجلس النواب الموقر عبر دورات انعقاده بإيجابية تجاه قضايا الدولة المصرية وتحدياتها الجسيمة في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه؛ حيث وقف قيادة وأعضاء بشجاعة وشرف لإعلاء مصلحة الوطن ووضع أمنه وسلامة أراضيه في مرتبة عالية تفوق أى اعتبار من خلال دعمه سياسيًّا ودبلوماسيًّا على مختلف الأصعدة محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، والتى يأتى على رأس ذلك قراره بالإجماع في جلسته التاريخية المنعقدة يوم الإثنين الماضي بالموافقة على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية، للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الإستراتيجى الغربي ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية إلى حين انتهاء مهمة القوات. وتأتى أهمية هذا القرار الحاسم من كونه بمثابة المشروعية الدستورية والقانونية والتفويض الشعبي للقوات المسلحة المصرية وقيادتها لتحديد طريقة الرد على الأخطار والتهديدات التي تحدق بالأمن القومي وزمان ومكان هذا الرد؛ فلا حياد بين المصريين المخلصين في قضايا الدولة الوطنية وثوابت الأمن القومي المصري، انطلاقًا من الواجب الوطني والشرعي حيث أمرنا الله تعالى بالثبات في مواجهة الأخطار، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين). وفي ذلك دلالات واضحة تؤكد سر قوة المصريين وعزتهم؛ فهم أمة واحدة عبر القرون ولا تزيدهم المؤامرات والمكائد إلا توحدًا على قلب رجل واحد وإصرارًا على مواصلة المسيرة نحو البناء والتنمية مزامنة مع مواصلة الجهاد المقدس ضد المرجفين وأهل البغي والفساد! كما أن موقف المجلس الموقر يؤكد التلاحم ووحدة الإرادة المصرية قيادة وجيشًا وشعبًا، أفرادًا ومؤسسات؛ فلا الشعب ومؤسساته الوطنية يومًا خذل قواته المسلحة، ولا الجيش يومًا خذل الشعب ومؤسساته الوطنية، لما بينهما من الانسجام والإيثار والمحبة والتآلف؛ فذلك معجزة ظاهرة للنبيِّ الكريم "صلى الله عليه وسلم"، ومنقبة خالدة للأمة المصرية؛ حيث علل النبي "صلى الله عليه وسلم" خيريتهم؛ «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة». نقلا عن صحيفة الأهرام