حالة من الفرحة دبت في أوصال حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، فبفضل اتفاقية مبادلات العملات مع كل من الدوحة وبكين، والتي فشلت في إبرامها مع مجموعة العشرين تراجع الدولار أمام ليرتهم بعد أن جنح بها السقوط المريع بعيدًا لتعيد ذكرى فترة سوداء ما زالت تداعياتها قائمة حتى الساعة، لكن ما هي إلا ايام تعد على أصابع اليد الواحدة يعود الأخضرالامريكاني إلى الارتفاع مجددًا غير عابئ بمليارات الريالات ال قطر ية التي ضخت بالأسواق التركية، ومع إقفال أمس الجمعة تأكد صعوده مقابل تراجع الليرة وبالتوازي كشفت بيانات معهد الإحصاء الحكومي عن عجز بالميزان التجاري للبلاد خلال شهر إبريل الماضي بلغ 67%. وفي سياق الوعود الحكومية لتحسين الاقتصاد والحدّ من التضخّم، أعلن مراد أويصال، رئيس البنك المركزي التركي، أنّ توقعاتهم للتضخم نهاية العام الحالي 7.4%، و5.4% لنهاية 2021، لكن على الجانب الآخر قال محللون اقتصاديون: إن ميزانية الحكومة أنفقت في 2019 بسخاء، وهو ما يعني أن السيولة قد تنفد وبالتالي قد تضطر السلطات إلى طباعة المزيد من النقود الأمر الذي سيزيد معدل التضخم. إذن هي محاولات ياسة لإنقاذ ما لم يمكن إنقاذة بحسب مراقبين الذين أكدوا أيضا أن الأسابيع الثلاث الأربع المنصرمة شهدت أروقة القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة صراع محموم واتصالات لا تتوقف مع أطراف السياسات المالية ومعها صدرت لهم توجيهات رئاسية حاسمة "أحذروا وامنعوا الدولار بأن يتخطي حاجز السبع ليرات بأي ثمن"، ويبدو أن كل هم "ساكن القصر" ألا تكرر تلك الفصول التراجيدية التي حدثت في العام 2018 على خلفية قضية القس الأمريكي " أندرو برنسون " ، وكانت بداية انهيارمازال مستمر كاشفا بدوره عن هشاشة الهياكل الاقتصادية ، ولينسف معه " طنطة صانع القرار بأنه حقق المعجزات "، ورغم ما قيل عن جهود بُذلت وبرامج إصلاح وضُعت ، لم يتعاف الاقتصاد بعد ، الذي يعاني أمراض مزمنة والعلاج ليس قريبا أبدا. وكيف له الشفاء ؟ بعد أن فاقمت كورونا أزماته ، يعزز ذلك أنه " شهد تدهورًا هيكليًا وانحدارًا في الاستقرار على مدى السنوات العشر الماضية"، فاستنادا لخبراء فقد " حدث تآكل كامل للمعايير والمؤسسات التي تعد شرطًا أساسيًا لوجود " اقتصاد سوق " فعال حيث تم الإطاحة بهما لصالح " الدولة الأردوغانية " التعسفية ، وظهرت قواعد جديدة للعبة، تقف ورائها الجهات الفاعلة والنافذة المقربة من دوائر السلطة ، وفي نهاية المطاف، سوف يتحمل الشعب الفاتورة " وهذا هو الواقع المعيش حاليا إذ جري تبديد مبالغ كبيرة من المال " لأغراض سياسية ببناء المطارات حيث لا تقلع الطائرات وتدشين الجسور التي لن تعبرها السيارات وأصبح الاقتصاد امتدادًا للسياسة اليومية". المفارقة أنه وسط تلك المشاهد القاتمة يتحدّث ساسة الحزب الحاكم عن عالم متخيّل جديد بلا منغصات ما بعد الكوفيد 19، فمنذ تفشي الفيروس الذي تأخر الكشف عنه بصورة متعمدة انصبت جهودهم على إبعاد ذهن مواطنيهم مجرد التفكير فيما سيؤول إليه وضع اقتصادهم بعد الركود الخطير الذي ترتب على الوباء يحدوهم أمال عريضة وثقة مفرطة لا أساس لها في أن تركيا وبفضل " الرؤي الثاقبة لزعيمها" ستتمكن من التغلب على خطر" الكائن الوبائي المستجد" ولكن هيهات فقد عادت معدلات الاصابات بالفيروس للتزايد. في المقابل بقت مواجهة الحكومة للأوضاع المعيشية متخبطة وعشوائية ففي الوقت الذي واصلت فيه خفض أسعار الفائدة ، يبحث ملايين العاطلين عن عمل دون جدوي ويكفي الإشارة إلى أن نسبة البطالة بين الشباب بلغت 22.8 % ، يضاف عليهم الذين سوف يفقدون مصادر رزقهم مع طول أمد " الأزمة الكورونية " ناهيك عن الشركات المفلسة وتردي أوضاع القطاع السياحي. هنا اعتبر خبير الاقتصاد " علي آغا أوغلو" ، أنه ليس من المنطقي استخدام احتياطي النقد الأجنبي لإبقاء سعر الدولار دون 7 ليرات وكانت البنوك الحكومية قد أقدمت على بيع 300 مليون دولار للهدف ذاته وذلك عقب خفض البنك المركزي لسعر الفائدة من 9.75 في المائة إلى 8.75 في المائة. وأضاف أنه يتوجب على دولته أن تصبح داعمة لشعبها وليس كيانا يطلب الدعم من خلال حملات التبرع تحت شعار " سنكفي أنفسنا بأنفسنا " فتلك أجراءات مُسكنة بيد أن تأثيرها سيتوقف عند مرحلة ما ، ثم استطرد قائلا " في الأوقات السابقة استخدمنا جزءا كبيرا 27 مليار دولار مع نهاية فبراير من الاحتياطي الأجنبي لجعل سعر الدولار دون مستوياته الحقيقية والنتيجة هي حصد ما تم زرعه ".