100 مليار ليرة أي ما يزيد على 15 مليار دولار، هي "حزمة تحفيزية أولية " لن تكون الأخيرة ، كان يفترض ضخها لمساعدة الاقتصاد والعباد بعموم الأناضول بهدف تقليل الأضرار الناجمة عن " الفيروس المستجد " المدمر. هكذا كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النقاب عنها قبل أسابيع ثلاثة ضمن خططه الطموح لدعم شعبه. وكعادتها هللت ميديته مرئية ومسموعة ومقروءة ، لهذا الإجراء الذي نعتته ب " الجسور "، لكن الأيام مرت دون صوت عنها وكأنها تبخرت في الهواء أو عفا عليها الزمن وفقا لمراقبين . فقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم حينما أعلنتها ، " لم تكن قد استوعبت تمامًا مدى الأزمة الوشيكة، أو اعتقدت أنها يمكن أن تلعبها من خلال الإنكار " كما حدث في الأسبوع الذي سبق الإعلان عن أول إصابة بال كورونا يوم 11 مارس الماضي ، وعندما تبين فداحتها وكيف أنها عصفت بالشركات الصغيرة والمتوسطة معا، ظهر للقاصي والداني أن البلاد لسوء الحظ، لا تملك الموارد المالية لفعل ذلك ، صحيح الاقتصاد التركي مثله مثل الاقتصادات الأخرى في جميع أنحاء العالم تمر بمرحلة صعبة ، لكن في حالة وريثة الإمبراطورية العثمانية الغابرة ، فإن درجة الصعوبة فريدة من نوعها بحسب تعبير المحللة الاقتصادية " جولدام آطا باي " التي عملت بالسابق بمركز الدراسات الإستراتيجية التابع لإحدى المؤسسات المالية الشهيرة بإسطنبول. " آطا باي " قالت أيضا في مقالها المنشور بموقع أحوال إنه " على الرغم من القصص الأسطورية للنجاحات الاقتصادية التي حققتها حكومة أردوغان في الماضي، والتي غالبًا ما يذكرها الاقتصاديون الأجانب كأساس للأمل في المستقبل، إلا أن تركيا وصلت إلى نقطة لا تستطيع فيها معالجة التداعيات الاقتصادية للكوفيد ال19 ". وها هي تفشل في أخذ دروس من دول أخرى فبدلا من اعتماد إطار سياسة شامل للتعامل مع الوباء ، رفض رئيسها تعبئة الموارد العامة كما فعل خلال فترات الانتخابات، التي كان هو وليس غيره ، يعتبرها مسألة حياة أو موت ومن أجلها قام بتعزيز سياسة الإنفاق الاجتماعي بكل الأشكال الرسمية وغير الرسمية. ويكفي أن الاستحقاق الرئاسي الذي توج من خلاله أردوغان رئيسا بصلاحيات مطلقة ، استنفد عشرات المليارات من الليرات ، وهو ما أدي إلى تضاعف عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي ، ليصل إلى ما يقرب من 4 في المئة ، في غضون ذلك، توقفت العملات الأجنبية عن التدفق وعلى مدى الأشهر العشرة الماضية، استنفد البنك المركزي جزء كبير من احتياطياته لوقف انهيار الليرة واحتواء التضخم . والآن، وفي مواجهة أزمة حياة أو موت حقيقية، يرسل قصره ذو 1100 غرفة ، زجاجات كولونيا الليمون والأقنعة إلى كبار السن، مصحوبة برسالة رئاسية شخصية تتضمن تمنيات بموفور الصحة. والنتيجة هي أن العدوى أنتشرت بوتائر متسارعة ، ومعها يزداد من يفقدون حياتهم ، ولا مؤشرات حتى اللحظة، تفيد بتناقص معدلاتها اللهم العكس هو الحاصل فعليا، وإذا استمرت الزيادة الحالية في فقدان الأرواح والإصابات، فسوف ينهار النظام الصحي في آخر المطاف ( رغم تشدق أردوغان أن دولته بها جيش من الاطباء المتخصصين في مكافحة مثل تلك الجائحة فضلا عن الامكانات الطبية الكبيرة التي تتمتع به تركيا )، وحتما سيكون كارثيًا من الناحية السياسية حال فقدت السيطرة على ال كورونا . ومن ثم فهي مطالبة باتخاذ قرارات حاسمة كان عليها الشروع فيها مع بدء الأزمة والمعضلة التي ستواجهها هي أن يكون تحركها قد جاء متاخرا. وكان "علي أكبر يلدريم" ، الخبير والكاتب الصحافي بجريدة "دُنيا" التركية المختصة بالمال والاعمال، سبق وحذر في تصريحات للموقع الالكتروني ل "دويتشه فيله" الألماني ، سلطات بلاده " إذا لم تتخذ تدابير احترازية عاجلة، ولم تعلن عن حزمة خاصة لدعم قطاع الزراعة والثروة الحيوانية فإن البلاد ستكون في مواجهة مع مجاعة حقيقية خلال بضعة أشهر". منوّهًا بأن أنقرة بدأت تعاني من مشاكل في الاكتفاء الذاتي عقب الارتفاع الملحوظ في معدلات استيراد المواد الغذائية على حساب المنتجات المحلية خلال السنوات الأخيرة، ثم استدرك قائلاً: "لكن نتيجة تفشي الفيروس في جميع أنحاء العالم وإغلاق الحدود فإن عملية الاستيراد قد تتوقف تمامًا في الفترة المقبلة" والمواطنين لن يجدوا في أرفف المتاجر ما يريدونه من المنتجات الغذائية والحيوانية إذا انقطع الإنتاج.