د. حسن الصغير: إحياؤها سُنة.. وهى فرصة للعاصين د. جمال فاروق: ليلة عيد عند الملائكة.. وطوبى لمن استجيب دعاؤه وغفرت ذنوبه الشيخ عبد الحميد الأطرش: لا صيام بعدها إلا لعادة أو لوصل ما قبل النصف الثانى من شعبان ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة قد يتغافل عنها الغافلون، ولكن لا يعرف قدرها إلا المؤمنون، فهي تحل علينا من عام إلى عام فمنا من يفوز بها، ومنا من يخسرها غير عابئ إن كان سيدركها مرة أخرى في عمره أو لا.. والسؤال: هل إحياء تلك الليلة بدعة كما يروج المتشددون؟ وكيف أحياها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟ ومتى تبدأ ليلتها؟ وما أسماؤها وما الدعاء المستحب فيها؟ وهل يتجلى رب العزة للسماء الدنيا ليلتها؟ وما حكم صيامها وكل أيام النصف الثاني من شعبان؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات التي تشغل أذهان بعض الشباب استعنا برأي علماء الأزهر الشريف. بدعة أم سُنة يؤكد الدكتور حسن الصغير وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن إحياء ليلة النصف من شعبان ليس بدعة بل سُنة، فهي من الليالي المباركة التي ورد في فضلها الكثير من الأحاديث التي بينت إحياء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لها، كحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي قالت: «قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الليل يصلي، فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت، فلما رفع إليَّ رأسه من السجود وفرغ من صلاته، قال: يا عائشة- أو يا حُميراء- أظننت أن النبي قد خاس بك؟ قلتُ: لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننت أنك قُبضت لطول سجودك، فقال: أتدرين أي ليلةٍ هذه ؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان ، إن الله- عز وجل- يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم» رواه الترمذي. وكذلك لما روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أن الله يطلع إِلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميعِ خلقه إِلا لمشرك أو مشاحن» رواه الطبراني، وأيضًا لما روي عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ؛ فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا من كذا.. ألا من كذا ؟، حتى يطلع الفجر» رواه ابن ماجه. ويضيف الدكتور الصغير: فإحياء تلك الليلة المباركة يكون بتلاوة القرآن وقيام الليل والإكثار من الدعاء وإصلاح ذات البين وترك الشحناء والبغضاء استعدادًا لشهر رمضان المبارك، والعمل فيها على رفع قيم المحبة والمودة بيننا، لأنه لا يعقل أن يأتي علينا شهر رمضان الكريم ونحن في شقاق وخصام، ولهذا يجب علينا أن نفتح صفحة جديدة مع الله تعالي ونتحلى بالأخلاق الحسنة خلق نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ونحول قبلة حياتنا مع غيرنا إلى قبلة حب ومودة وأمن وأمان وسلام وخير وسعادة. موعدها وأسماؤها يبين الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي تسبق اليوم الخامس عشر من هذا الشهر الفضيل، والتي تبدأ من بعد صلاة المغرب وحتى دخول صلاة فجر اليوم التالي، ولهذا فهي ليلة لها أهمية خاصة في الإسلام، لأنه تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة بالعام الثاني من الهجرة، بعد أن ظل المسلمون قرابة 16 شهرًا يصلون باتجاه المسجد الأقصى، لقوله تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة : 144] . فهذه الليلة المباركة لها عدة مسميات فهي يطلق عليها ليلة البراء أو البراءة، وليلة الدعاء، وليلة القسمة والتقدير، وليلة الإجابة، وليلة التكفير، وليلة الشفاعة، وليلة الغفران والعتق من النيران، وليلة عيد الملائكة، فالملائكة لهم عيدان في السماء: ليلة النصف من شعبان وليلة القدر، كأعيادنا نحن المسلمين في الأرض وهما عيدا الفطر والأضحى. ويكمل الدكتور فاروق : فالدعاء المستحب في هذه الليلة هو: «اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام. لا إِله إِلا أنت ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين. اللهم إِن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقَترًا علي في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإِقتار رزقي، وأَثْبتني عندك في أُم الكتاب سعيدًا مرزوقًا موفقا للخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل: }يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ{، إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم، التي يفرق فيها كل أمرٍ حكيم ويبرم، أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم وما أنت به أعلم، إِنك أَنت الأعز الأكرم. وصل الله على سيدنا محمد النبي الأُمي وعلى آله وصحبه وسلم». ويضيف الدكتور فاروق: فتلاوة هذا الدعاء وتخصيص ليلة النصف من شعبان به أمر حسن لا حرج فيه ولا مانع ؛ فذكر الله تعالى والثناء عليه والتوجه إليه بالدعاء كل ذلك مشروع ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»، والألفاظ المستعملة في هذا الدعاء واردة عن بعض الصحابة؛ ولهذا فطوبى لمن استجيب دعاؤه وغفرت ذنوبه ونال رضا رب العالمين في تلك الليلة المباركة. حكم ما بعدها ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف: إن لشهر شعبان منزلةً خاصة في ديننا الحنيف، فهو شهر من الشهور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الصيام فيها لما رُوى عن أسامة بن زيد رضى الله عنه أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم - عن سبب كثرة صومه فى شهر شعبان، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم»، فهذا الشهر هو الذي ترفع فيه أعمال العباد إلى الله تعالى، ولكن قد يتساءل بعض الشباب ويقول: هل الأعمال لا ترفع إلا في هذا الشهر الفضيل فقط ؟ .. نجيبهم ونقول: لا، فهناك أعمال بالليل لا ترفع إلا بالنهار، وأعمال بالنهار لا ترفع إلا بالليل وذلك كل يوم، وأعمال ترفع كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع، وأعمال سنة كاملة لا ترفع إلا في شهر شعبان، وهذا لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. ويضيف الشيخ الأطرش: كما قد يسأل أيضًا بعض شبابنا عن كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم كثيراً في شهر شعبان، لقول أم المؤمنين عائشة: «كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه فى شعبان»، فهل ممكن أن نصوم النصف الثاني من شعبان ما دمنا صمنا ليلة النصف منه ؟، وهنا نقول: "لا يجوز إلا إذا اعتدنا على أداء ورد معين كصيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع أو لوصل ما قبل النصف الثاني من شعبان، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِذا انتصف شعبان فلا تصوموا» رواه أبي داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، فهذا الحديث يدل على النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، أي ابتداءً من يوم السادس عشر، كما يحرم صيام يوم الشك وهو اليوم الأخير من شهر شعبان. نقلًا عن مجلة الشباب