رغم أن سفينة فيروس كورونا مازالت تبحر في وسط البحار، لا يعلم لها أحد وجهة, فهل ستقابل الرياح، والعواصف، العاتية، فتضل بوصلتها، وتصطدم، لا قدر الله، بالجبال، معرضة البشرية، كلها،إلى كوارث، كبرى، أم سيمسك بدفتها، رجال أشداء، قادرون على توجيهها، والرسو بها على شاطئ الآمال، لنلتقط أنفاسنا، ونبدأ في إصلاح ما أفسده فيروس كورونا، على جميع الأصعدة، خلال فترة وجوده؟ وبين كل تلك الاحتمالات، عكف المتخصصون، والمفكرون، والباحثون على تصور السيناريوهات المختلفة لما بعد كورونا. ورغم غياب القدرة على التكهن بتوقيت انقشاع تلك الغمة، فإن الدراسات، المبسطة، التي خرجت عنها، دارت، فى معظمها، حول محاولة الإجابة عن عدد من الأسئلة، الافتراضية،كان أولها، هل سيستقر ميزان القوى شرقًا، بعد سنوات من الميل في ذلك الاتجاه، لتتصدر الصين، ترتيب القوى العظمى في العالم، بعد تخبط الولاياتالمتحدةالأمريكية، في التصدي لأزمة فيروس كورونا؟ أما السؤال الثاني، فكان حول مدى انحسار دور الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقوة تراجع ترتيبها في ميزان القوى الجديد، لصالح الصين؟ وهو ما يقود، بالضرورة، إلى السؤال الثالث، عما إن كانت ستتغير قيمة، وأهمية، الدولار الأمريكي، كعملة دولية، موثوق فيها، ليسيطر على الاقتصاد العالمي عملات جديدة، مثل اليوان الصيني، والين الياباني؟. كما لم تغفل الأسئلة، الاستفسار عن دور روسيا، مستقبلًا، وترتيبها الاقتصادي، العالمي، في ظل استمرار عدم قدرتها، على تقديم بدائل، أو مساعدات للدول الأكثر حاجة، رغم كونها إحدى الدول العظمى؟ وبالطبع، نال الاتحاد الأوروبي نصيبًا من تلك التساؤلات؛ بالتشكيك حول إمكانية صموده، ككيان متحد، بعد مرور تلك الأزمة، في ظل عجزه عن مساعدة دوله الأعضاء, التي هوى بعضها خلال الأزمة، فهل سيتفكك الاتحاد الأوروبي، على أثرها، ويعلو صوت الحركات الانفصالية، خاصة بعد خروج بريطانيا منه، بمطالبة شعبية؟ والسؤال السادس هل سيقوض نظام العولمة الاقتصادي، وينحسر الاعتماد على التحالفات الاقتصادية؟ وهل سيعاد النظر في وجود تحالفات أممية، وسياسية، غابت عن المشهد، في أثناء الأزمة، بعد فشلها في القيام بالدور المنوط بها؟ وهل فشل نظام الاقتصاد الحر،أمام النظم الشيوعية الاشتراكية، التي صمدت، نسبيًا، أمام أزمة كورونا، بينما تهاوت بعض الاقتصادات الرأسمالية العتيدة، التي طالما تشدقت بقدراتها على التصدي للمشكلات الصحية، مثلًا، بتطبيق أنظمتها للتأمين الصحي الشامل؟ والسؤال التاسع هل سيبدأ نظام عالمي، جديد، يحقق ضمانات، أكثر للفرد، فيما يشبه ما حدث عقب الأزمة المالية العالمية، في ثلاثينيات القرن الماضي؟ وعاشرًا هل ستنتبه الدول لضرورة الاستثمار فى قطاع الرعاية الصحية، خاصة فيما يتعلق بالطب الوقائي، بعد عقود من إهمالها، والانتقاص من مخصصاتها، لصالح بنود أخرى في الموازنات العامة؟ أما السؤال الحادي عشر، فهل ستتغير منظومة التعاون الدولي، بأن تدرك القوى الاقتصادية العظمى، ضرورة دعم الدول الأكثر احتياجًا، خاصة في مجال الرعاية الصحية، بعدما أثبت فيروس كورونا، قدرته على عبور جميع الحدود الجغرافية، غير آبه بتقدم ترتيب أي من تلك الدول؟ والسؤال الثاني عشر،ما مدى حدة، وخطورة، آثار العزلة على جميع الدول، خاصة النامية والفقيرة، منها، وما حجم المرونة التي ستظهرها الدول المتقدمة فى الاصطفاف للخروج من الأزمة، وسحب باقى دول العالم للخروج منها؟ أما السؤال الثالث عشر، هل سيبدأ عهد جديد، من أتمتة (Automation) الأجهزة الحكومية، والإسراع بالتحول الرقمي، الذي عجل وباء كورونا، الدول المتأخرة عنه، بالدخول فيه، كبداية لعصر جديد؟ والسؤال الرابع عشر هل ستعيد هذه الأزمة موازين، تشكيل قوى العالم؛ عسكريًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، واجتماعيًا، لتختفي نظريات طال الاعتماد عليها في دراسات المعاهد،والكليات، والأكاديميات العسكرية، كمحددات لعناصر الأمن القومي، يصاغ بها تعريف قوى الدولة الشاملة، ولتظهر نظريات جديدة كبديل لها، تصل لحد دحض القديم منها، الذي مازال يدرس حتى الآن؟ ويدور السؤال الخامس عشر حول دور القوة العسكرية الغاشمة، وإمكانية استمرارها، بعدما هز فيروس كورونا أغنى، وأعتى، دول العالم، فهل ستعتمد القوى، مستقبلًا،على أسلحة التدمير الشامل (أ ت ش)، وتصبح هذه القوى الجديدة أقل تكلفة من القوات العسكرية التقليدية؟ وهل ستقود تلك الأزمة إلى تدعيم ركائز بعض الديكتاتوريات القائمة، والقضاء على المعارضة، وتعزيز مفاهيم الحكومات المركزية، بعدما كان العالم قد قطع شوطًا كبيرًا نحو اللامركزية؟ وهو ما يقود إلى سؤال، مرتبط، حول ما إذا كان نجاح بعض الدول في تجاوز تلك الأزمة، بخسائر أقل، نسبيًا، عن غيرها، سيكون مبررًا لبزوغ ديكتاتوريات جديدة، تستمر لعقود طويلة قادمة؟ أما السؤال الثامن عشر، فدار حول مستقبل الدول المصدرة للنفط، والقائمة اقتصاداتها على إيراداته، ومدى قدرتها على الصمود، بعد تلك الأزمة، في ظل تراجع أسعار النفط، التي بدأت قبل أزمة كورونا، ومتوقع أن تستمر بعدها؟ وفي سياق متصل، ما هي قدرة الاقتصادات الناشئة، في المنطقة، على التحول للاعتماد على الطاقة الشمسية، والطاقة الناتجة عن الرياح، كبديل للبترول، كأساس للطاقة، ومدى قدرتها على الاستفادة من مكتسباتها الطبيعية، لتكون مركزًا لتصدير الطاقة؟ يدور السؤال التاسع عشر حول مدى مرونة الأنشطة الاقتصادية، في التجاوب مع الضغط الذي يفرضه، فيروس كورونا، على طبيعتها، إذ ستخرج أنشطة اقتصادية، برمتها، من المنافسة، بينما سيشرق نجم الصناعات الغذائية، والصناعات الطبية، والصناعات القائمة على تكنولوجيا المعلومات؟ وأخيرًا، وليس آخرًا، فالسؤال العشرون، ما هي خطط الدول، للتوسع في شبكات الضمان الاجتماعي، لحماية محدودي الدخل، أو معدومي الدخل، من ضربات الكساد الاقتصادي، المتوقع، بانتهاء الأزمة؟. كانت تلك بعض الأسئلة التي صاغها عدد من المحللين الإستراتيجيين، سياسيًا واقتصاديًا، واجتماعيًا، في انتظار أن تجيب الأيام القادمة عنها، أو عن بعضها، على أقل تقدير.