في الوقت الذي يصاب فيه من يدخل السجن بآثار نفسية سيئة، تظهر بوضوح على من سجنوا ظلمًا أو من يتمتعون بحسن السير والسلوك، فما بالنا بحكم الآثار النفسية السلبية التي تصيب شخصًا عاد لوطنه وبيته بعد إقامته 20 عاماً في أفغانستان بمعسكراتها الإسلامية السياسية، إضافة إلى 3 سنوات قضاها في معتقل جوانتامو؟ ذلك هو التساؤل الأهم والأكثر عمقًا الذى لم تستطع أحداث مسلسل "باب الخلق" الإجابة عنه، رغم أننا اقتربنا من الحلقات الأخيرة منه، فشخصية "محفوظ زلطة" التي ظهر بها الفنان محمود عبد العزيز اعتقد الكثيرون أنها العمق والبعد الحقيقي فيها، سيظهر مع توالى الأحداث وعودته إلى أهله في منطقة "باب الخلق" لكن السرد الذي ظهر عليه العمل وتحديداً في شخصية "زلطة"، بدا سطحياً يخلو من الاقتراب من تلك المنطقة المحظورة وهى "المجاهدين الإسلاميين"، والتعرض لشخصيتهم، وهى "قماشة عريضة" كان من الممكن أن ينسج منها مؤلفها أحداثًا لا يمكن أن تسقط من ذاكرة المشاهد، خاصة وأنه العمل الدرامى المصري الأول الذي يرصد ملف قضية المجاهدين المصريين العائدين من الخارج، بعد أن سافروا في أوائل الثمانينات وحتي منتصف التسعينيات للجهاد في أفغانستان ضد الغزو السوفيتي، بدعم من الحكومة المصرية، وإيعاز من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أرادت الوقوف ضد الغزو السوفيتي من وراء ستار، وهو الأمر الذي بدأ معه النواة الأولى لتكوين تنظيم القاعدة الذي مولته الولاياتالمتحدة بالمال والسلاح وانقلب عليها لاحقاً. ظهر "محفوظ زلطة" شخصية مرحة للغاية، تتحاور وتتناقش مع جميع من حولها وكأنه كان يستمتع بنفس الحياة في معتقل "جوانتامو"، ليس هذا فقط بل إن "أبوعبد الله" الذي يفترض أنه أمير جماعة "المجاهدين" بأفغانستان جاء بمفهوم متسامح عن الجهاد، لا يطوي ضمن معانيه القتال والحرب ضد الكفار، لكن الجهاد مع النفس والكفاح في الحياة لكسب الرزق، وإن كان هذا كله مقبولا فهل من المعقول أيضاً أن يكون "زلطة" متسامحاً تجاه المرأة بهذه الطريقة، لدرجة أنه لا يري مشكلة في خروجها دون حجاب رغم أن أفغانستان التي عاش بها هي بلد يغلب عليها الإسلام "بشكله الملتزم" وغير مقبول مثل هذه الأوضاع فيها. ويأتى "زلطة" أيضاً من الخارج متحدثًا باللكنة المصرية حتى إنه لم يتحدث باللغة العربية سوي قليل، وكأنه أيضاً كان ضيفًا على أفغانستان لأيام قليلة. كما جاء "أبوعبد الله" متذكرًا كل شىء في حياته ولم ينس سوى الطرق والمواصلات في مصر التي تغيرت بطبيعة الحال خلال 20 عامًا. وتتوالى الأحداث، فلا يجد الجميع "زلطة" أو من حوله مشكلة في التعامل معه، فشقيقته التى يعيش معها في المنزل تتحاور معه وتأخذ رأيه في أمور حياتها، وهو ينصحها ويتحدث معها وكأن باله فارغاً من التفكير في أى شىء تعرض له، ويجلس مع أهل منطقته ويستمع إلى حكاويهم ومشاكلهم، كل ذلك أيضاً دون أن يشعر من يتعاملون معه بأى خطر على اعتبار أنه شخص غير عادى. كل هذا ولم يلمح الكاتب إلى أى مشهد، أثناء جلوس "زلطة"، وهو يتذكر ما كان يحدث له في معتقل جوانتامو، الشهير بتدمير النفسية البشرية للإنسان نظرًا لما يرتكب فيه من جرائم وحشية ضد معتقليه، حتى إن آثار التعذيب لم تبد من قريب أو بعيد على "زلطة" سواء في كلامه أو حركات جسمه أو تفكيره، بل إن قلب "أبوعبد الله" يرق ويلين تجاه الحب بشكل سريع تجاه "انتصار" إحدى جيرانه في المنزل بل إن باله ينشغل بمعرفة طبيعة حياتها وعملها. والحقائق تؤكد أن نسبة كبيرة من هؤلاء المعتقلين في جوانتانامو، فشلت عملية إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، ليس فقط بسبب السنوات التي قضوها مناصرين للجهاد والإرهاب، ولكن لشدة التعذيب الذي تعرضوا له، وجعل أفكارهم أكثر تطرفًا وجنوحًا نحو العنف، بحسب صحف أمريكية ذكرت أنه كلما كان التعذيب في جوانتانامو أكبر، زادت نسب تطرف المعتقلين فيه، وهو ما أشارت إليه أيضاً إحصائيات سعودية أن 10 من أصل 11 من السعوديين العائدين من أفغانستان، عادوا للاتصال بجماعات إسلامية متطرفة، وبخاصة في اليمن. كما أن جزءاً كبيراً منهم بحسب بحث أجرته مجلة "رايس آند كلاس" الأمريكية، أكدت أن هؤلاء المعتقلين حدثت لهم تحولات بسبب التعذيب من حيث قدرتهم علي إدراك الآخرين.