عُقدت بالقاهرة يوم 23 أبريل قمة تشاورية "للشركاء الإقليميين للسودان" تناولت التباحث والتشاور حول آخر المستجدات بالسودان، وسُبل تعزيز العمل المشترك للتعامل مع المُستجدات الراهنة على الساحة السودانية، فضلا عن المُساهمة في دعم الاستقرار والسلام، وقد شهدت القمة تمثيل عدد من المُنظمات والجهات الإقليمية المُنخرطة والفاعلة في الشأن السوداني وهي مصر وجنوب أفريقيا ورواندا (الترويكا)، والكونغو برازافيل باعتبارها الرئيس الحالي لمُنظمة المؤتمر الدولي للبحيرات العظمى، وإثيوبيا "الرئيس الحالي لتجمع الإيجاد"، بالإضافة إلى كل من تشاد، جنوب السودان، جيبوتي، الصومال، أوغندا، كينيا، نيجريا (دول الجوار الجغرافي للسودان)، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي. ركزت كلمة الرئيس السيسي على أربعة محاور أساسية تناولت تأكيد أهمية العمل على وضع تصور مُشترك لتحقيق الاستقرار في السودان، بما يضمن حرية الشعب السوداني المُطلقة لبلورة العملية السياسية بالبلاد، وتأكيد حفظ الأمن والاستقرار والمحافظة على مؤسسات الدولة، وحث الزعماء الأفارقة على تبنى موقف موحد لمساعدة الشعب السوداني الشقيق خلال الظروف الراهنة، على نشر رسالة للخارج تؤكد قدرة القارة على حل النزاعات والصراعات الإفريقية بوسائل إفريقية بعيدًا عن التدخلات الخارجية، كما قدمت القائم بأعمال وزير الخارجية السودانية إحاطة حول مستجدات الأوضاع في بلادها. ومن جهة أخرى عرض السيد "موسى فقيه" رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي تقريره بشأن زيارته الأخيرة للسودان تناول خلالها آخر المستجدات، وطالب بضرورة مساعدة الشعب السوداني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه. عكست استضافة مصر لهذه القمة في القاهرة وفي هذا التوقيت عددًا من الدلالات كان أهمها ما يلي: 1 حرص الدولة المصرية على التزاماتها بحفظ الأمن والاستقرار لدول القارة، سواء من خلال مسئوليتها الأدبية باعتبارها رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، أو من خلال التزاماتها بمبادئ وثوابت السياسة الخارجية المصرية الخاصة بدعم قضايا السلام الإقليمي والعالمي والحفاظ على أمن وسلامة واستقرار الدول، فضلا عن عدم التدخل في شئون الدول الأخرى، وكان ذلك جليًا من خلال توجيه الدعوة لدول الجوار الإفريقي للمشاركة في القمة دون انفراد مصر. 2 جاءت القمة في توقيت مناسب جدًا؛ خاصة أن الاتحاد الإفريقي قد أعطى مهلة قصيرة (15 يومًا) لتسليم المجلس العسكري السلطة لقوة مدنية، وهذا غير كاف في ظل حالة الفراغ السياسي والدستوري السوداني من جهة وعدم قدرة حراك الشارع على إدارة البلاد بهذه السرعة، وفي ظل تلك الظروف الحرجة، وبالتالي يحتاج الحراك في الشارع إلى مزيد من الوقت لترتيب أوضاعه واختيار الأشخاص المناسبة لإدارة المرحلة القادمة. 3 عبرت القمة عن التصدي وبقوة لأي اتجاهات مضادة لمفهوم السيادة الوطنية السودانية الكاملة في ظل وجود قوى خارجية تضغط في اتجاه تحقيق مصالحها الشخصية، دون النظر لطبيعة الأوضاع في السودان، خاصة ضغوط من قبل الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا، فضلا عن سعي بعض الدول الإقليمية؛ سواء الإفريقية أو العربية لاستغلال الموقف لصالحها على حساب مصالح الشعب السوداني. 4 حرص القمة على عودة الأمن والاستقرار في السودان وبأسرع وقت ممكن خاصة، وأن التباطؤ قد يدخل البلاد في حالة فوضى نتيجة لانقسامات الشارع السوداني وتعرضه للعديد من عمليات الاستقطاب؛ سواء من قوة داخلية تعمل لمصالح شخصية أو من خلال قوى إقليمية، كما أن حالة الفوضى تجعل من السودان ملاذًا آمنًا وحيدًا للجماعات الإرهابية أو لعصابات الجريمة المنظمة، قد يؤدي انتشارها إلى خلق حالة فوضى في المنطقة بالكامل. وقد أكد المشاركون في القمة عن كامل تضامنهم مع الشعب السوداني وطموحاته المشروعة نحو التحول الديمقراطي وتحقيق الاستقرار والتنمية، كما أقرت الدول المشاركة بالحاجة إلى منح المزيد من الوقت للسلطات السودانية والأطراف السودانية لتنفيذ تلك الإجراءات مع مراعاة ألا تكون مدة مطولة، كما أوصت بقيام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي أن يمدد الجدول الزمني الممنوح للسلطة السودانية لمدة 3 أشهر، كما شددت الدول المشاركة على أهمية تعاون السلطات السودانية والقوى السياسية والعمل معا وبحسن نية لمعالجة الأوضاع الحالية في السودان، وسرعة استعادة النظام الدستوري من خلال حوار سياسي ديمقراطي يقوده السودانيون أنفسهم ويضم جميع الأطراف السودانية بما فيهم المجموعات المسلحة، كما شجعت الدول الإفريقية رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي على مواصلة الحوار مع السلطة السودانية والأطراف السياسية. وقد طالب البيان الختامي للقمة المجتمع الدولي على أهمية تقديم مساعدات للسودان عاجلة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وقد أكد جميع الحاضرين دعم جهود السودان في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدته وتأمين حدوده ومكافحة ومنع أي أنشطة غير مشروعة عابرة للحدود من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار، كما تم توجيه وزراء خارجية الدول المشاركة لعقد اجتماع متابعة خلال شهر للنظر في المستجدات في السودان، ورفع تقرير لرؤساء الدول والحكومات، وقد لخصت القمة أهدافها في السعي لتحقيق آمال وطموحات الشعب السوداني لإرساء نظام سياسي ديمقراطي شامل، وترسيخ حكم القانون وحماية وتعزيز حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والفعالة. كاتب المقال: متخصص في الأمن القومي والشئون الإفريقية اللواء محمد عبد الواحد