لا يزال شغف كرة القدم يُسيطر على قلوب عشاق الساحرة المستديرة أحد أهم القوى الناعمة في شتى بقاع الأرض، والذي قد يمنح مصر خلال الشهور القادمة فرصة ذهبية لتضميد ما تبقى من جراح سنوات الفوضى، ويضعها على الطريق الصحيح، مع استضافة بطولة أمم إفريقيا 2019، التي حظيت مصر باستضافتها، إذا ما تم استغلال الحدث الرياضي القاري الكبير بشكل أفضل. صحيح أن مصر تنتظر تحديات جمة مع أول اختبار لمشاركة 24 فريقًا في البطولة بدلًا من 16، كما جرت العادة سابقًا، ما يزيد من تكاليف الإقامة والانتقالات الداخلية لبعثات المنتخبات والحكام والمراقبين وقيادات منظومة الاتحاد الإفريقي، وكذا تحمل تكاليف الملاعب المخصصة للبطولة وعملية البث وإشارة القمر الصناعي للقنوات. إلا أن التحدي الكبير يكمُن في عمليات التأمين التي ستخضع لأعلى المعايير الأمنية، خاصة مع حضور قيادات عليا من الدول المشاركة، والذي تستعد له مصر بجهود ضخمة تقوم بها اللجنة المنظمة للبطولة بالتنسيق مع الجهات الأمنية والتنفيذية المعنية، والتي تسابق الزمن لتجهيز إستاد القاهرة ليظهر في حلته الجديدة مستضيفًا حفل الافتتاح والختام، بجانب تعميم تطبيق معايير التنظيم والأمان على جميع إستادات البطولة المنتشرة في أربع محافظات. تاريخيًا، استضافت مصر البطولة القارية الأهم على مستوى المنتخبات 4 مرات آخرها عام 2006، وهو رقم قياسي، إلا أن أمم أفريقيا بشكلها الجديد تفتح المجال أمام مصر هذه المرة لحصد مكاسب مزدوجة على مستويات عدة أهما الأمني والاقتصادي والرياضي. مكاسب مصر المالية من استضافة البطولة تدعمها مؤشرات قوية، حيث حصلت الجابون من استضافة نسخة 2017 على مبلغ 12.4 مليون دولار، فيما حصدت غينيا الاستوائية 7 ملايين دولار في نسخة 2015، وفقًا لبيانات الاتحاد الإفريقي. كما تنتظر مصر عوائد أكبر من وراء الإعلانات في التليفزيون المحلي الذي يستعد لإطلاق قناة أرضية خاصة لبث مباريات البطولة، حيث يُعد مكسبًا مزدوجًا لمصر بجانب ما يدره من أموال، فإنه يُعد حلًا سحريًا فيما يخص الصراع الذي تخوضه منذ فترة لكسر احتكار مجموعة القنوات المسيطرة على البطولات الإفريقية. كما يمكن لمصر الاستفادة من زيادة معدلات السياحة في فترة البطولة، للترويج الأمثل للمعالم المصرية ليكن من خلال أفلام قصيرة تُعرض على شاشات كبيرة في أماكن التجمعات، ما يعود بمكاسب من الطيران والانتقالات والإقامة، فضلًا عن طرح الخدمات في ما يعرف ب «fan zone» أو «منطقة المشجعين»، في جميع أنحاء الجمهورية والذي حقق إقبالًا منقطع النظير في مونديال روسيا 2018. الحدث الرياضي القاري، يمكن استغلاله في عودة الروح الرياضية الطيبة، وغرس قيم التشجيع الرياضي المنضبط من خلال فتح الباب للمتطوعين من مشجعي قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك والأندية الجماهيرية والذي سيعملون كخلايا نحل وأسرة عمل واحدة خلال فترة إقامة البطولة من 21 يونيو إلى 19 يوليو القادم، من خلال محاضرات تثقيفية في سياق المستوى التنظيمي الخاص بأمم إفريقيا، لنبذ العنف الرياضي في المدرجات، ويُمهد الطريق لعودة الجماهير. أما المكسب الرياضي فيمكن وصفه في ترسيخ التواجد الكروي على مستوى القارة الإفريقية، التي يوليها الرئيس عبد الفتاح السيسي قدرًا كبيرًا من الاهتمام، بعد تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، خاصة أن للقارة السمراء بُعدًا جغرافيًا وتاريخيًا وسياسيًا بالنسبة لمصر لا يمكن إغفاله. كما يمكن الاستفادة أمنيًا من استضافة «كان 2019» على تأكيد قدرة مصر على تنظيم البطولات القارية والدولية الكبيرة التي تعكس المناخ الأمني الجاذب للاستثمارات، فضلًا عن المضي قدمًا في فتح الملف الشائك لعودة الجماهير إلى المدرجات من خلال ترسيخ وتثبت المعايير الأمنية التي طُبقت في البطولة واستمرارها في المسابقات المحلية، ما يمكن وصفها بالمكاسب المزدوجة. يحتاج ذلك الجهد والتنسيق إلى انضباط كبير في التنظيم؛ لإخراج الحدث الرياضي في أبهى صوره، يدعمه الجهد الفني من قبل منظومة المنتخب الوطني المشارك لاعبين وجهازًا فنيًا وطبيًا، والذي نأمل أن يُقدم عرضًا رياضيًا يليق بصورة مصر، كذلك تأكيدًا لاستمرار صحوة «الفراعنة» بأن الوصول للمونديال لم يعد مجرد مناسبة سنحتفل بها، ولكنه مستوى طبيعي سنعتاد عليه.