يفتتح الفنان والنحات عبده سليم معرضه "سحر الخيال"، يوم الأحد المقبل، بقاعة "جاليرى القاهرة" بشارع بن ذنكى بالزمالك. ويقول التشكيلي أحمد نوار، إن "نشأة الفنان المثّال عبده سليم، هي المكون الرئيس لرؤيته الفنية التي تميز بها بين أقرانه من المثالين، عاش الفنان السيد عبده سليم بل انصهر في أرض النماء (قرية إبشان بالدلتا) واندمج مع عادات وتقاليد الناس، وغرسوا في وجدانه وعقله حالة من السمو والإبهار، من خلال صمتهم وابتساماتهم وعرقهم وفرحتهم في لحظات فارقة، تجلت هذه الطاقة الشعورية والشحنات المتفاوتة والمتواترة في فضاء يكسوه معنى عميق بالحياة". منحوتات عبده سليم ويضيف: "عندما نستعرض أعمال عبده سليم، نكتشف هذا التمكن الذي يعفيه من معاناة استدعاء المستحيل، ويذهب بنا تاريخ الفنان إلى مراحل مهمة في أعماله من النحاس المطروق، التي تميز بها أيضا، كجزء مهم من تجربته الفنية الممتدة، هنا أيضا نكتشف تأثير الفنون المصرية القديمة في النحت البارز والغائر كمرجعية أصيلة تعود إلى ثقافته وذاكرته البصرية التي تمده بالطاقة والرؤى الجديدة ببلاغة دافعة للتعبير عن رؤيته للحياة والإنسان، وبناء الأمل والحب في حياة البشر، لا يكتفي الفنان بذلك الرافد القوي بل يأخذنا بعيدا لصناعة وبناء عالم أسطوري افتراضي من خلال بعض أفكاره التي شكلها بمنظومة حركية تستمد حركتها من متتاليات العناصر الدافعة للبناء الثلاثي الأبعاد". منحوتات عبده سليم وتأتي منحوتات عبده سليم، بحسب نوار، وفق إمكانات وقدرات تتحكم فيها أركان رؤيته الفنية، فدراسته الدقيقة للجسد الآدمي، على وجه الخصوص، أدت إلى استثمارها بوعي وإدراك كاملين لمعنى وجمال الجسد، فاستخدامه الوجه أو لجزء من جسد المرأة أو الجسد كاملا أو تكرار لكل هذه العناصر في عمل واحد يأتي بقدرات خاصة تعتمد على مرجعية تراكمية لخبرته ومهارته في فن الرسم، وخضوعه للنسب التشريحية للكائنات بشكل عام، وهذا يؤدي إلى حرية مطلقة لتطويع هذا المخزون لأفكاره التي تعتمد على هذه المعادلة البنائية المشار إليها بعالية، وهي المعادلة الرياضية التي تحكم حركة مكنوناته الكامنة في منحوتاته، وهذا ما يميز الفنان المثال السيد عبده سليم، فعلى سبيل المثال، العمل الفني النحتي المكون من "المصير" يؤكد على ما يسمى بالمعادلة التي تتحكم في دفع حركة العناصر، فهو مكون من جسدين، الأول لامرأة، والثاني لرجل في بناء ملحق بهما العجلات الجانبية المكونة من ست أذرع مبنية على أربع أرجل بشرية، وتنتهي بدائرة قوامها اثنتي عشرة ذراعا، وأكفها المتلازمة على الجانبين كأنها تعبر عن دائرة الحياة واستمرارها، وهذا يذكرنا "بدائرة استمرار الحياة" للنحات النرويجي "جوستاف فيجلاند" ضمن ملحمة نحتية قوامها أكثر من ستمائة تمثال في حديقة كبيرة سميت "حديقة فيجلاند"، فدائرة استمرار الحياة عند فيجلاند مكونة من أجساد آدمية تشكل الدائرة، في حالة دافعة، والتأمل فيها يشعرنا بالحركة، لحيوية الأجساد وحركتها الدائرة كأنها تدور في الفضاء، فأسطورية الفنان، وخياله الخصب، وتراكم ذاكرته، وانصهاره في حياة الناس، مكنته من إبداع منحوتات ملحمية تحمل رؤى منطلقة من رحم الحياة؛ مشكلا عالما افتراضيا يراه الفنان في ذاكرته، ويشكل له مشهدا افتراضيا من خلال صورة ذهنية رسمها واختار عناصرها، ونحتها، فهذه المخيلة القابعة داخل الفنان السيد عبده سليم هي نوع خاص من التفكير في الفن، ميزه عن غيره من المثّالين؛ ومن الأعمال الفنية التي تعكس بساطته وثقافته منحوتة "آدم وحواء" فيظهر استلهامه من الفنون الشعبية والبدائية وغيرها من الحضارات القديمة؛ ويتميز هذا العمل الفني بأصالته الرصينة ومعمارية البناء في كتلته المعبرة ببلاغة شديدة، وإحساس مرهف إنساني وعميق. منحوتات عبده سليم وفي تحليل جدير بالذكر للكاتبة "فدوى رمضان" في جريدة الشرق الأوسط عام 2001م تقول تحت عنوان "صياغة جديدة لعناصر التراث الشعبي في معرض النحات السيد عبده سليم":تبرز مقدرة الفنان في فهم وتحليل وتفكيك هذا العنصر وعرضه في هيئة يغلب عليها الطقس أو الإحساس التراثي الذي لا يعني حضارة بعينها، إسلامية كانت أو قبطية أو حتى فرعونية، سواء جاء التكوين من خامة الفخار أو الحجر الجيري أو مصبوبا بالبرونز، فإن اختلاف الخامة أو التقنية لم يفقد العمل أيا من مقوماته؛ فنرى في تمثال "أمومة"، وهو تمثال منحوت من الفخار الملون، عمق التجاويف وقدرة على استيعاب الضوء، والتمثال عبارة عن امرأة جالسة ممدودة الساقين تداعب صغيرها في دفء وحميمية شديدين". منحوتات عبده سليم مضافا إلى ذلك التفنيد الدقيق لفلسفة الفنان في محاولة للوصول إلى حزمة من ملامح جماليات الكتلة النحتية وعلاقتها بالفراغ الذي يعتبر جزءا من الكل، ولا يمكن الفصل فيه عن المنحوت نفسه، وتعتمد فلسفة الفنان أيضا على استدعاء حالات الحلم من اللاوعي وتجسيده بالواقع الفطري والتلقائي الذي تزخر به قريته، والذي يمتد إلى جذور مختلفة الثقافات التي تحددها أشكال ومضامين العادات والتقاليد الشعبية، وأيضا ملامح الفنون والألعاب الشعبية بالقرية؛ وهذا الارتباط يتوافق مع نفس الموضوعات التي تناولها الفنان المصري القديم على جدران مقابر بني حسن، حيث الألعاب الرياضية التي نشأت وتطورت فيما بعد، كما يذكرنا تكرار الأذرع والأرجل والأيادي بالفنون الهندية والصينية القديمة والمستمدة من تاريخهم الشعبي والعقائدي، وهذا يؤكد أهمية المرجعيات الأصيلة في تاريخ الفنون لتوضيح وكشف مراحل التطور والاندماج والاستمرار، فكل مرحلة دافعة لإبداع مرحلة أخرى، وهكذا؛ ولا يوجد إبداع من فراغ أو من غير مرجعيات ما عدا الفن البدائي، الذي اعتبر أول رسوم أو محفورات على الجدران تعبر عن حياة الإنسان البدائية وما يحيط بها من مخاوف ومفاجآت قدرية. منحوتات عبده سليم ومن المهارات التي يمتلكها النحات السيد عبده سليم هي "مسبك البرونز"، المركز الذي أنشأه بإرادة الفنان الذي أصر أن تتحول منحوتاته إلى خامة نبيلة، ونجح الفنان في ذلك، وتجاوز هذا النجاح وامتد به لخدمة النحاتين المصريين الذين أمدهم بهذا المركز، الذي كان له الأثر في إعلاء شأن التمثال؛ لأن خامة البرونز خامة حية وغنية تتسم بشق تعبيري آت من عمق كتلة النحت وفق فكرتها ومضمونها؛ ومن الأعمال النحتية الرائعة والأسطورية والتي تجاوزت مفاهيم السريالية تمثال "البطة الضفدعة" كما أسميها أنا؛ فمن الكتلة الأفقية لجسدين ملتحمين منصهرين في جسد واحد، ينتهي واحد منهما بالجزء الأمامي "للبطة" والناحية الأخرى لوجه "ضفدعة"، وكأنهما تشكلا ليصبحا عنصرا واحدا له ست أرجل مختلفة الارتفاعات، مما يعطي للكتلة حركة مائلة تعلو باتجاه رأس الضفدعة، كأنها تستعد للقفز؛ ومن روائع منحوتاته، وهذا من مقتنياتي الخاصة، تمثال "امرأة" عبارة عن كتلة ممشوقة في رشاقة غير مألوفة، بدون رأس، وبدون ساقين وجزء من الفخذين؛ كما لو كان الفنان هادف لإبراز مواطن أنوثتها بجلاء وبعشق عميق؛ الجزء الأعلى ينتهي بثديين بدون أكتاف، ومنطقة ما تحت الثديين حتى أسفل البطن؛ عالجها الفنان بذكاء، كأنها على شكل ورقة شجر، أو دمعة عين، وداخل فراغات، كالشبكة، ثلاث ورود مختلفة الأحجام، وكأنها "دانتيل" رقيق، وكأن هذا الجزء نافذة تطل منه كوامن المرأة بقيمتها وقلبها وأنوثتها وجمالها، عمل فني محفز للتعامل معه، غني ثري بالقيم الجمالية؛ وتستمر معالجاته أسفل البطن والخلفية بهذا الإحساس المرهف معبرا عن زهو المرأة، جذبني هذا التمثال في مرسمه بقريته فقررت اقتناءه عام 2010م، في إحدى المطبوعات صورتان لهذا التمثال، من الأمام ومن الجانب، وكتب بجوارهما النص الآتي: "في كلِّ مرة أراكِ فيها، يتصاعد الخفقُ، كوقع أقدام الجندِ، هذه المرِّةُ شعرتُ أن خلف أضلعي شبلٌ يتحيَّنُ الخروج". منحوتات عبده سليم ومن الأعمال الفنية الأخيرة، الملفتة للنظر والدهشة، الوجوه البرونزية المخلوعة، أي وجوه تم فصل الجزء الأمامي من الرأس مع مسافة قليلة، وكأن الملامح التي فصلها الفنان ما هي إلا قناع الشخصية، والكمون والذات بالداخل؛ معالجة جديدة ومتفردة وغير مسبوقة، وتحمل عمقا تعبيريا بليغا، وحركة بصرية تستدعي خيال المشاهد الذي يتأمل هذه الرءوس، وكأن الفنان النحات السيد عبده سليم ينحت من الداخل إلى الخارج، أي يستدعي قيمة الإنسان من داخله، والخروج بذاته وقيمته الإنسانية وعطائه، معبرا بقدرة ومهارة عالية المستوى، ويمكن أن نطلق عليها: "التشخيصية الجديدة" أو "التعبيرية السريالية"؛ على كل حال أنا ضد المسميات في هذا الزمن المعاصر الذي اختلطت فيه المدارس والاتجاهات والرؤى والتقنيات، إلخ، فالنحات السيد عبده سليم يعد من أعمدة فن النحت المصري المعاصر، لتميزه، وتفرده على المستويين الفكري والفني؛ فهذا هو المبدع الأصيل. منحوتات عبده سليم منحوتات عبده سليم منحوتات عبده سليم منحوتات عبده سليم منحوتات عبده سليم منحوتات عبده سليم منحوتات عبده سليم