تقع عزبة الهجانة على بعد كيلو مترات قليلة من مدينة نصر أحد أرقى أحياء القاهرة، وربما من أجل هذا اختار المرشح عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق والدبلوماسي المحنك، هذه المنطقة لتكون نقطة انطلاق برنامجه الانتخابي. في الهجانة يتمركز المهمشون والفقراء ليدرك أي غريب بسهولة معنى العشوائيات التي يعيش فيها الناس مجبرين تحت شعارات لا للخدمات، والماء والكهرباء ولا للأسفلت. في عزبة الهجانة قلب مدينة نصر غير النابض رصدنا كيف استيقظ أهلها على شمس الانتخابات الرئاسية. يتطلب الأمر مهارة قوية في القيادة كي تنجح في الدخول إلى "أحراش" تلك المنطقة، لأنها طرق لم تخصص يومًا للسيارات ولا حتى لا للمشاة، بل هي مخلفات عشوائيات كونت مع الأيام مسطحات أرضية متعرجة تقف شاهدا على منطقة سقطت من ذاكرة الجميع، وكذلك أسقطوا هم من ذاكرتهم الانتخابات. بمجرد أن تدخل شوارع الهجانة لن تجد ما يشير إلى أن تلك المنطقة عاشت يوما جدل الانتخابات الرئاسية، فالحوائط تبدو خالية تماما من لافتات المرشحين بما فيهم أبو إسماعيل نفسه، وكذلك البشر منهم كثيرون لا يعرفون أن هناك ما يسمى انتخابات ومنهم من يعرفون ولا يبالون ومنهم من يعرفون وقرروا ولكنهم لم يحفظوا أسماء مرشحيهم بالكامل بما فيهم عمرو موسى نفسه. "انتخابات؟ ماحدش قالي؟" هكذا كانت إجابة أحمد عبد الحميد (21 سنة –صاحب محل حدايد وبويات) أثناء جلسته المتحفزة لأي زبون قادم، مكتفيا بعبارة "ربنا يولي من يصلح" كسبيل وحيد للمشاركة. الشوارع المتعرجة التي علقت بين البيوت المتهالكة والمتعانقة مليئة بحياة عادية طبيعية تخلو من أي جدل حول الانتخابات، وكلما وجدنا جدالا بصوت علت نبرته أو حتى مناقشة عادية ونتلفت وتتلفت إليها آذاننا سرعان ما نكتشف أن الأمر لا يعدو كونه خناقة بين صاحب مقهى وزبون بسبب سوء حالة الشيشة "الأص" التي يشربها. "أنا لسه مش فاضي أروح انتخب ومش عارف لسه هنتخب مين بس غالبا أنا محتار بين تلاتة حمدين وعمرو موسى والحزين ده أبو دقن" يعتقد محمود إسماعيل صاحب مقهى بالعزبة أن صوته لن يغير في الأمر واستغرب كثيرا من فكرة أن يسأله شخص ما عن رأيه. أيمن الصعيدي صاحب مقهى أيضا ولكن مقهى إنترنت يقطع الحديث ويقول "عمرو موسى عمل مؤتمره ومروحتش وناس كتير ماراحتش واللي راحه ليه مصالح وارتباطات بره وهو ده عيبنا بس لو سألت ناس كتير من عمرو موسى يمكن ميعرفوش، وهو فين برنامجه وفينه من العزبة". بعد السير لمسافات طويلة لم نجد أي أثر لانتخابات ولا لجان انتخابية وبعد السؤال والفحص تبين أن عشوائيات الهجانة لا تحوي لجانا انتخابية من الأساس "يا بيه العزبة مفيهاش مدارس لو لازم يعني خد توك توك لغاية الخزان" أجابنا أحد المارة. سائق التوك توك كان أفضل حالا يعرف أن هناك انتخابات ولكنه قرر عدم المشاركة والعزوف عنه "عادي يعني يا بيه مش هتفرق كلها محصلة بعضيها زيد زي عبيد". في كل ربوع مصر توقفت الحياة احتراما للانتخابات الرئاسية، وفي الهجانة استمرت الحياة واختفى أي حديث عن الانتخابات الرئاسية أو المرشحين، وبقيت لقمة العيش هي المرشح الرئاسي الأول الذي أجمع كل من قابلناه على دعمه وتأييده.