كل من حضر وتابع وقائع الاحتفال باليوم العالمى لذوي الاحتياجات الخاصة الذى شارك فيه الرئيس السيسي، لاحظ مظاهر السعادة والبهجة التى اكتست بها وجوه المشاركين في فقرات الاحتفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحماسهم الجارف فى التعبير عن ذواتهم، وتأكيد أنهم لا يختلفون قيد أنملة عن المحيطين بهم، وقادرون على الإنجاز والعطاء بلا حدود، مثلهم في ذلك مثل الأصحاء، وأن كل مخلوقات الله سواء، والعبرة بما يقدمونه وبعملهم وليس بأى شىء آخر، وأن من يقيم الحواجز بينهم وبين مجتمعهم يقترف جريمة كبرى. مبعث سعادتهم وغبطتهم لا يرجع فقط لحضور كوكبة من كبار المسئولين والشخصيات العامة احتفالهم بيومهم العالمى، وإنما أيضًا لكونهم أصبحوا على سلم الأولويات من قبل الدولة المصرية خلال الأعوام الأربعة المنصرمة، وأن التعهدات المعلنة لرعايتهم ودمجهم باعتبارهم من المكونات الأساسية للمجتمع المصرى ليست حبرًا على ورق، وإنما عرفت طريقها للتنفيذ العملى. موقف الدولة المصرية لم يأت من فراغ، لكنه جاء ترجمة لإيمانها بحتمية استثمار موردنا البشرى الثمين القيم بالشكل الأمثل، وتوظيفه لمصلحة بناء مستقبل أحسن وأكثر إشراقًا للمواطن المصرى، وألا تكون هناك طاقات مهدرة في وطننا. وكلنا على دراية بقدر ما عانيناه فى عهود سابقة جراء عدم استفادتنا مما تحت أيدينا من طاقات وكفاءات جبارة، خصوصًا الشابة منها، وهو ما قاد لتنامى ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ومغامرة الشباب بأرواحهم باستقلالهم مراكب متهالكة تحت جنح الظلام، اعتقادًا بأن طوق نجاتهم فى الهروب للخارج، وأن حظوظهم في الرزق ستكون أوفر وأوسع، وسينعمون ببيئة تستوعبهم وتقدر تميزهم وكفاءتهم فى تخصصاتهم، بل إن الكثيرين منهم كانوا على استعداد للالتحاق بوظائف دون المستوى، وفي غير تخصصهم، بدلًا من تجربة حظهم فى وطنهم ووسط أهلهم. اما الآن فالوضع جد مختلف تمامًا، فلم نعد نسمع عن نزوح شبابنا للمجهول في بلاد الغربة، وقصص غرق سفن تقلهم إلى إيطاليا واليونان وغيرهما، لكننا نطرب بسماع حكايات انخراط الشباب في المشروعات القومية المنتشرة بطول البلاد وعرضها، وتجارب نجاحهم فى مشاريعهم الخاصة، مع ترسخ مفهوم العمل الحر بعيدًا عن اللهث خلف الوظيفة الميرى، وزيارة سريعة لأماكن المشروعات الشبابية، التى مول العديد منها جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كفيلة بإيضاح المزيد من تفاصيل الصورة المشرقة الإيجابية لحال شبابنا اليوم، وآخر هذه المشروعات افتتحها ثلاثة وزراء الجمعة الماضية في مصر الجديدة، هى شارع 306. القاعدة نفسها تسرى على ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين أفضل وصفهم بذوى الهمم العالية، فهم لم يعودوا من الطاقات المهدرة والمهملة، ولا سوءة يسعى المجتمع جاهدًا لإخفائها، وعدم تسليط الضوء عليها، بل أصبحوا طاقة منتجة مبهرة بما ينجزونه على مستويات وأصعدة متنوعة، أبرزها الرياضة، ويحظون فعليًا برعاية فائقة من مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى، باعتبارهم جزءًا أصيلًا وفاعلًا في المجتمع، وليس عالة أو معوقًا للنهوض والتنمية. وقد ترجمت الدولة رعايتها تلك إلى خطوات عملية ملموسة، منها تخصيص 100 مليون جنيه لصندوق ذوى الاحتياجات الخاصة، الذين يشكلون نحو 10٪ من سكان مصر، وزيادة مشاركتهم في الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية الدولية، وتوفير التأمين الصحى الشامل لهم على مستوى الجمهورية، وخدمات الصحة النفسية، والأجهزة التعويضية بأسعار رمزية، ودعوة الإعلام للتعريف بقضايا ذوى الاحتياجات الخاصة والتوعية بها، وعرض تجاربهم الناجحة، حتى تكون نبراسًا للطامحين. فالنظرة العامة لذوي الاحتياجات الخاصة تبدلت وتغيرت، وباتوا يُنظر إليهم كطاقة مثمرة ورافد من روافد الأمل، وإن كان من كتب الله عليهم الحرمان من نعمة من نعمه الكثيرة يحققون إنجازات تقترب أحيانًا من الاعجاز، فما بالك بمن هم فى كامل وأتم صحتهم وعافيتهم، وأحسب أن ما نراه من حماس وتفاعل من الشباب والفئات الأخرى في مجتمعنا يشي بأنه بمقدورنا تصفير ظاهرة الطاقات المهدرة، أو تقليل نسبتها لتكون فى أضيق الحدود، وفى الحالتين فإن الفائدة ستعم على المجتمع بأسره مادامت مكوناته تعمل وتنتج بطاقتها القصوى. كما تغيرت نظرة المجتمع وتعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة بعد اكتشافه مهاراتهم وإبداعاتهم المذهلة القادرة على إحداث تحولات وتغيرات لا حصر لها في مسيرتنا نحو المستقبل، وعلى حد تعبير الرئيس السيسي فهم شركاء في نهضة الوطن.