الوحدة الإسلامية هدف سام، وفرض واجب على أمتنا، افترضه وأوجبه الله تعالى ونبيه "صلى الله عليه وآله وسلم" منذ نزلت الرسالة على قلبه الشريف، سبيلا لتوحيد صفوفها، ولمّا لشعثهم وتفرقهم واختلافهم، ولجعلهم جسدًا وكيانًا واحدًا، على اختلاف أعراقهم وأنسابهم وألوانهم وبلدانهم، يقول ربنا سبحانه وتعالى: "واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا"، وقوله: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، وقوله تعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". ويقول رسولنا الكريم "صلى الله عليه وآله سلم": "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، وقال "صلى الله عليه وسلم": "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، ويقول: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا؛ فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". ولما كانت الوحدة والاجتماع على كلمة واحدة من العوامل التي تجعل الأمم تقوى ويشتد ساعدها، فيهابها ويجنبها أعداؤها، رنا إليها الغرب والأمم الأخرى، فصارت لهم المنعة والقوة، والعضد الشديد الذي لا يغلب، ولا أدل على أوروبا واتحادها المتمثل في الاتحاد الأوروبي وأحلافها العسكرية والاقتصادية حتى صارت سوقًا واحدة بعملة واحدة وجيش متحالف متحد ضد أي عدو لأي كيان منهم كائنًا من كان. وحري بنا أن نحزن ونبكي حسرة على ما آلت إليه أمتنا الإسلامية من تشرذم وتفرق وخنوع أدى إلى تيه هٌويتنا في تيه الهوان الذي تلبسه الأمة الآن ثوبًا لها، مع أن عناصر الوحدة متوافرة لها، على اختلاف أجناس وألوان وألسنة أبنائها، تتمثل في وحدة العقيدة والعمل ومصدر التشريع والأخلاق والهدف والثقافة، وغيرها من مقومات الاعتصام والاجتماع. وحسنا فعلت رابطة العالم الإسلامي العالمية حين أطلقت أمس الأول وقائع مؤتمرها "الوحدة الإسلامية - مخاطر التصنيف والإقصاء" في مقر الرابطة بمكةالمكرمة، افتتحه أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بمشاركة أكثر من ألف شخصية قيادية، دينية، وفكرية، وأكاديمية من سبعة وعشرين ومائة دولة، اجتمعوا من كل بقاع العالم الإسلامي لوضع خطة إستراتيجية شاملة تتصدى لمشروعات الكراهية والصراع الطائفي، وإيجاد قنوات للتواصل بين أتباع المذاهب الإسلامية لبناء جسور الثقة والتفاهم والتعاون على المشتركات الإسلامية الجامعة، ومحاصرة الخطاب الطائفي والمتطرف. وتأريخًا لهذا الحدث المهم، وإشادة بجهود رابطة العالم الإسلامي العالمية، فقد عقدت الملتقى الأول لعلماء المسلمين تحت عنوان (وحدة الأمة الإسلامية)، بمكةالمكرمة في الفترة من 1-3 أبريل من عام ستة وألفين، كما أن العاصمة الإيرانيةطهران تعقد مؤتمرها الدولي للوحدة الإسلامية، ينظمه سنويًا المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، في أيام ذكرى المولد النبوي، أو ما يسمى بأسبوع الوحدة الإسلامية، بمشارکة مفکرين وعلماء بارزين، ووزراء ومفتين وأساتذة جامعات من مختلف الدول الإسلامية والعالم ومن إيران. وكلها تحظى بالكثير من البحوث والدراسات وأوراق العمل التي تصب في أهمية وحدة الأمة الإسلامية، وآلياتها، ومقوماتها، وعوامل تمكينها وتحقيقها، ومعوقاتها، وغيرها من أسباب الدفع بها قدمًا لتحقيقها على أرض الواقع كيانًا ملموسًا، لا حلمًا بعيد المنال والتحقق. من البحوث والدراسات المهمة التي وضعت في ذلك، تلك الورقة التي حملت عنوان "أهمية وحدة الأمة الإسلامية ومعوقاتها" للدكتور إسماعيل عبدالرحيم شلبي أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، التي قدمها في الملتقى الأول لعلماء المسلمين، وفيها أماط اللثام عن كل معوقات تلك الوحدة المنشودة، مبديًا شديد تعجبه واندهاشه من توافر كل مقومات الوحدة، ومع هذا الأمة الإسلامية، كل في واد يتيهون. وها هو مؤتمر أمس الأول يأتي مناقشًا وباحثًا لقضايا الخصوصية المذهبية، الدعاوي الطائفية الرامية لبث التكفير والتطرف والفكر الطائفي وثقافة الاختلاف ومعوقات الوحدة الإسلامية، ونشر قيم الوسطية وتعميق أواصر التآخي والتآلف بين المسلمين، ونبذ خطاب العداء والفرقة، والشراكة الحضارية مع غير المسلمين، وسبل مواجهة الإسلاموفوبيا، بالإضافة لجمع كلمة العلماء والدعاة، وتقريب وجهات النظر بينهم، تأكيدًا لمسئوليتهم في توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم. ويرى علماؤنا ومفكرونا المسلمون بالغرب، أن سبل مواجهة الإسلاموفوبيا يكمن في حاجة الوجود الإسلامي في الغرب إلى فقه يمكَّنه من الاندماج الفعَّال والتعايش الإيجابي، وليس الانعزال السلبي، كما صرح لي من قبل الدكتور علال الزهواني رئيس "المنتدى الأوروبي للوسطية" ببلجيكا، وفى الشرق، كما أكد لي الدكتور عبدالسلام العبادي أمين "الفقه الإسلامي الدولي"، ضرورة وجوب تطوير مناهج إعداد الدعاة بهدف التأكد من إدراكهم لروح الإسلام ومنهجه في بناء الحياة الإنسانية، جنبًا إلى إطلاعهم على ثقافة العصر ليكون تعاملهم مع المجتمعات المعاصرة عن وعي وبصيرة، ومعالجة كل مظاهر التزمت والانغلاق وبناء الشخصية الإسلامية السوية التي تقدم للمجتمع الإنساني صورة مشرقة للتطبيق الإسلامي على المستوى الفردي والجماعي، وفى كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. ونسأل الله أن يتم على الأمة وحدتها. [email protected]