لكي تكتب السيدة الأولى للولايات المتحدة مذكرات ناجحة، يجب أن تسير على خط رفيع يضمن لها هذا النجاح، مثلا، يجب أن تخلق شعورًا بالحميمية مع القارئ، من خلال كشف بعض الأسرار عن الحياة الزوجية في البيت الأبيض، مع الحفاظ على مسافة معينة تحفظ للعائلة الرئاسية خصوصيتها، كما أنها يجب أن تكون سياسية بشكل ما لكن ليس بالصورة التي قد توحي بأن هناك طموحات تسعي لها السيدة الأولى، والأهم من ذلك أنها يجب أن تكون شخصا مقنعا، ومستحقة لأن يتم قراءة كتاب كامل عن حياتها، ولاتبدو مجرد تابع رئاسي، مع الأخذ في الاعتبار، أنه أولا وأخيرًا يبقي زواجها هو سبب شهرتها، لذا فيجب أن يكون هناك نوع من التوازن بالكتاب. ذلك ما حاولت ميشيل أوباما، السيدة الأولى السابقة للبيت الأبيض، أن تحققه في مذكراتها "becoming"، التي تكشف فيها الكثير من جوانب حياتها المختلفة. ظهرت ميشيل أوباما في هذا الكتاب كسيدة أولى تثق في قدرات زوجها بثبات، لكنها لم تكن توهم نفسها بأن رواسب الحزبية والعنصرية ستذوب تحت الشعارات المشمسة للأمل والتغيير، فذكرت أنه من اللحظات الأولى لتولي زوجها باراك أوباما الرئاسة والكثير يسعون لإفشاله. وتؤكد أوباما من خلال مذكراتها أنها لا تعتزم الترشح للرئاسة، حيث إنها "لم تكن يوما من هواة السياسة، والعشر سنوات الماضية لم تفعل الكثير لتغيير هذا الوضع"، وتشير النيويورك تايمز إلى قولها السابق "السنوات العشر الأخيرة، وليس السنتين فقط"، وقالت إنه أمر له دلالاته. و تري التليجراف أن"المذكرات" يجب أن تكون ملهمة وحياة ميشيل أوباما، هي لا شيء عدا كونها ملهمة بالرغم من قساوتها، خاصة في بداياتها، حيث تعتبر قصصها عن تلك الفترة من حياتها كدروس التاريخ التي تؤرخ للعديد من المواقف الاجتماعية". ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام "Becoming Me، و "Becoming Usو "Becoming More" وهو يبدو كمادة لطيفة من المساعدة الذاتية الملهمة، فتؤكد أوباما أهمية نماذج القدوة، خاصة بالنسبة للشابات اللواتي يعشن في ثقافة لا تتغير بسرعة كافية، فالكتاب ليس ورديا بالصورة التي يتصورها البعض، فالثلث الأول من الكتاب هو becoming me ويتحدث عن نشأة "ميشيل روبنسون"بالطبقة العاملة في السيتينات بشيكاغو، وتطورها تعليميا وهو جزء مشابه لمثيله بالمذكرات الأخري، لكن المختلف في هذا الكتاب أنها تجسد حلقات من طفولتها بوضوح و مهارة توضح ماهية أن تنشأ أسود اللون في أمريكا، فتتعرف على التاريخ العنصري الذي مرت به بلادها عن طريق حكايات جدها. لقد عاشت أوباما طفولة قاسية لكنها سعيدة بالرغم من مرض أبيها، الذي أصيب بتصلب الشرايين وتوفي في عمرال55، كانت أمها ماكثة بالمنزل ترعاها وأخوها الأكبر، وكان كلا الوالدين يشجعانها بشكل كامل لتحقيق طموحاتها وفضولها الفكري، فتروي ذكريات بعينها تجاه مستقبلها السياسي القريب وتتذكر كيف كانت تشاهد والدها يتحدث إلى جيرانه باهتمام شديد ودفء. وتكتب أوباما باهتمام الصورة التي رسمتها للمراقب السياسي طيب القلب الذي يقوم بجولات عديدة مستمعا لمشاكل ناخبيه، كما أنها تصور لحظات من التحول الشخصي مثل ذلك الموقف مع الفتاة ديدي التي هاجمتها جسديا ووجهت لها لكمة عندما كان عمرها حوالي 10 سنوات لكسب احترامها. وتتحدث ميشيل أوباما عن معرفتها لأول مرة بزوجها باراك أوباما، والذي خصصت له الجزء الثاني والأفضل من الكتاب becoming us، وتتحدث خلاله عن علاقتها بزوجها وتواجدها بالبيت الأبيض وتوضح العراقيل التي مروا بها ومسيرتهما الصعبة وسط الأضواء ومتانة حبهما، وكل ما صاحب ذلك من الألم وخيبة الأمل، اللذين شعرت بهما في أوقات مختلفة خلال علاقتهما. وتتطرق ميشيل أوباما للصعوبات التي واجهتها لإنجاب ابنتيها، وكيف أن انشغال باراك في السياسة جعلها تمر بالكثير من المشاعر وحدها دون مساندته، لكن بشكل عام فإنها تؤكد التصور العام عن علاقتهما وأنها علاقة سعيدة وصحية ومحبة، لكنها توضح ما استغرقته تلك العلاقة للوصول لهذا: المشورات الزوجية ومحاربة الشكوك، والارتباك، والتضحية، وحتى الشعور بالوحدة، فاستطاعت أوباما بشكل مقنع تأكيد أولوية حياتها الزوجية في حياتها. وخلال 8 سنوات عاشتها ميشيل أوباما بالبيت الأبيض تصف لنا مشاعرها خلال هذه السنوات و ما مرت به في بادئ الأمر، فتتحدث عن خزانة الملابس التي أخذت الكثير من الوقت والتدقيق، موضحة الضغط الكبير الذي شعرت به كأول سيدة أولى أمريكية إفريقية في ثقافة مدمنة للصورة والمعايير المزدوجة، بالإضافة إلي بعض الخطوات اللازمة لإنجازها من داخل البيت الأبيض كمبادرتها ضد السمنة لدى الأطفال وغيرها، غير أن حياتها كان بها جانب سلبي، خاصة على بناتها، فوصفت باقتدار الشعور بالسجن الذي شعرت به وتأثيره علي عائلتها، مشيرة إلى أن أبسط الأشياء كتناول ابنتها مايلا للأيس كريم مع صديقاتها لم يكن بالأمر اليسير. و يري الكاتب دايفيد كانفيلد أن اسلوب الكتابة متقلب وبه شيء من الحرص والغرابة، خاصة وأنها تتبنى القيم والقضايا نفسيهما التي تناولتها كسيدة أولى، لذا فقد يشعر القارئ أن هناك المزيد الذي لم يٌكشف بعد، وهو ما يٌبقي على فكرة الرئاسة كفكرة خامدة نسبيا لمؤلفة becoming. و في النهاية تتحدث ميشيل أوباما عن دونالد ترامب بشكل مباشر وقوي وبإدانة واضحة، لكن بطريقة لا تفسد أو تغير قصة حياتها، فوصفته بالعنصري وعدو المرأة، وقالت إنها لا تسامحه لما سببه لضرر وتهديد لأسرتها عن طريق حملته التي شكك فيها في مواطنة باراك أوباما وحاول تشويه صورته. ما يميز هذه المذكرات هو السياق فميشيل أوباما امرأة سوداء، على عكس أسلافها وتنشر كتابها في وقت يشهد انقسامًا اجتماعيًا في الوسط الأمريكي بشكل غير مسبوق، لذا فإنه من الصعب أن يتم وصف الكتاب بأنه غير سياسي فكل عبارة تكتبها أوباما تدلي ببيان. ويعتبر هذا الكتاب الذي يطرح في الأسواق اليوم هو الأضخم من حيث الطباعة و التوزيع، حيث إنه من المقرر طباعة 3 ملايين نسخة ب31 لغة مختلفة بشكل متزامن، بالإضافة إلى النسخة الصوتية من الكتاب.