تنشر "بوابة الأهرام" كلمة الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الري والذي ألقاها اليوم الأحد، أمام وزراء مياه دول التعاون الإسلامي في أولى فعاليات أسبوع القاهرة للمياه. وفيما يلي نص الكلمة بسم الله الرحمن الرحيم السيد السفير/محمد نعيم خان- الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامى السيدات والسادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اسمحوا لى فى البداية أن أرحب بكم جميعاً على أرض مصر "بلدكم الثانى" متمنياً لكم إقامة طيبة وأوقاتاً ممتعة فى مدينة القاهرة وعلى ضفاف نهر النيل .. النهر الخالد.. والذي استطاع المصريون عبر آلاف السنين حسن إدارة مياهه فأقاموا أعظم حضارة تحكيها تلك الآثار الخالدة على ضفافه. وتشرُف مصر اليوم (حكومةً وشعباً) باستضافة "مؤتمر وزراء المياه الإسلامى" والذي يهدف لدعم قدرة الدول الإسلامية على مواجهة التحديات والصعوبات التي تمر بها في مجال إدارة مواردها المائية، والتى تتسم - فى كثير من دولنا - بالمحدودية بل والندرة واتساع الفجوة بين الموارد المائية المتاحة والاحتياجات المتزايدة. ولقد قدمت مصر نموذجاً ناجحاً فى مجال التعامل مع محدودية المياه، وأنشأت مدرسة عريقة فى ادارة المياه عبر الازمنة استطاعت من خلالها تحقيق نجاحاً كبيرا فى رفع كفاءة استخدام المياه لتتواكب مع تنامى الاحتياجات كنتيجة طبيعية للزيادة السكانية، وهى الآن تعمل على تطبيق التكنولوجيا والتركيز على البحث العلمى لمزيد من تحسين وتطوير إدارة المياه. التحديات المائية التى تواجه مصر ولايخفى علينا التحديات التى تواجهها مصر حالياً والتي تتجسد في زيادة الطلب على استخدام المياه لكافة قطاعات الدولة في ظل محدودية الموارد المائية التي يأتي 97% منها من خارج الحدود، في الوقت الذي ضاعفت معه التغيرات المناخية من حجم هذه التحديات، حيث انعكست بشكل مباشر على ارتفاع مضطرد في درجات الحرارة صاحبها زيادة الاستهلاك المائى للمحاصيل، فضلاً عن تأثيرها المباشر على غرق المناطق المنخفضة في الدلتا كنتيجة لارتفاع سطح البحر. وهذه التحديات تدفع بنا جميعا إلى التعاون للبحث عن وسائل مبتكرة لتقليل الفجوة بين الاحتياجات المائية المتزايدة والموارد المائية المتاحة. الإجراءات المتخذة لمواجهة التحديات وتؤمن مصر بأهمية تطوير منظومة إدارة المياه وتعظيم الاستفادة من كل قطرة مياه متاحة لتحقيق أكبر عائد اقتصادي واجتماعي دون التأثير على المنظومة البيئية المرتبطة باستخدام المياه، وفي هذا الإطار ارتكزت إستراتيجية تنمية الموارد المائية والرى في مصر حتى عام 2050 على أربعة محاور رئيسية تُعني بتحسين نوعية المياه وتنمية الموارد المائية وترشيد استهلاك المياه وتهيئة البيئة الملائمة لتنفيذ هذه الإستراتيجية؛ حيث تبنت الإستراتيجية مجموعة من الإجراءات لتنفيذ هذه المحاور من خلال تعظيم دور البحث العلمى وتوطين التكنولوجيات الحديثة والحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه. - ولقد تم اتخاذ قرار هذا العام بخفض المساحة المزروعة بالأرز هذا العام بنسبة أكثر من 30% - في الوقت الذي تقوم فيه الدولة بحَث المزارعين على تطبيق نظم الرى الحديثة للتعامل مع ندرة المياه والحفاظ عليها. كما شملت الإجراءات إعادة استخدام المياه، حيث تُعد مصر ثالث دول العالم فى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى المعالجة في أغراض الري طبقاً للمعايير الآمنة. استخدام التكنولوجيا تعد وزارة الموارد المائية والري من أولى الوزارات التي اتخذت إجراءات بشأن المراقبة والتكيف مع التغيرات المناخية، كانت أولى هذه الخطوات بإنشاء مركز التنبؤ بالفيضان في تسعينيات القرن الماضي وتحديدًا عام 1992، وذلك بهدف مراقبة وضع الأمطار ودرجات الحرارة في منطقة منابع النيل ومصر، وقد أصبح هذا المركز فيما بعد ركيزة أساسية للعديد من المشروعات والدراسات لتأثير التغيرات المناخية في منطقة حوض النيل والمنطقة العربية. وقد تم تنفيذ العديد من الدراسات على تأثير التغيرات المناخية على المناطق الساحلية، وكذلك للحماية من مخاطر السيول والأمطار التى قد تؤثر على الأفراد والممتلكات العامة والخاصة . إن توطين تكنولوجيا استخدام الطاقة الشمسية في ضخ المياه هو هدف يستحق أن نعمل سوياً على تحقيقه ونشره، خاصة لما لدى مصر من مقومات تجعلها في مقدمة الدول التي تستطيع الاعتماد على الطاقة الشمسية المتجددة. وتبقى الطاقة محدداً أساسياً في إدارة المياه ورفع كفاءة استخدامها؛ مما دفع بالدول إلى البحث في مفهوم الترابط بين المياه والطاقة من أجل تحقيق الإدارة المستدامة للمياه، وبالفعل تؤكد سياسات وإستراتيجيات وزارة الموارد المائية والري المصرية الاستفادة من الطاقة الشمسية في إدارة المياه كطاقة نظيفة ومتجددة ومتوافرة. ومن أهم المشروعات التي قامت بتنفيذها وزارة الموارد المائية والري في هذا المجال : • تشغيل عدد 112 بئرًا جوفية وعدد 9 وحدات طلمبات بالطاقة الشمسية. • مشروع "إدراك إمكانيات وإدارة مخاطر استخدام الطاقة الشمسية في الري في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا" بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) للانتقال نحو إنتاج زراعي أكثر استدامة والعمل على نشر تكنولوجيا الري بالطاقة الشمسية بين المزارعين. • كما تسعى وزارة الموارد المائية والري دوما نحو نشر فوائد تقنية استخدام الطاقة الشمسية كبديل للطاقة الأحفورية من خلال إداراتها وهيئاتها على مستوى الجمهورية والتي تتعامل مع المستهلكين بمختلف قطاعاتهم بشكل مباشر. التدريب وبناء القدرات وإيماناً بالدور الذى يلعبه التدريب وبناء القدرات فى تطوير منظومة إدارة المياه فقد تم إنشاء قطاع التدريب الإقليمي للموارد المائية والري وهو مركز معتمد لمنظمة اليونسكو ويقدم برامج التدريب فى كافة المجالات المتعلقة بإدارة المياه؛ سواء السطحية أو الجوفية، للمصريين ولأبناء الدول الأفريقية والعربية، وذلك فى إطار حرص مصر على تبادل الخبرات مع الدول وحل المشاكل التى تواجه إدارة المياه، بالإضافة إلى التنسيق مع الجامعات المصرية لعقد برامج تدريبية متخصصة مثل دبلومة الموارد المائية المشتركة التى تقوم بها جامعة القاهرة للمصريين والأفارقة. الدراسات والأبحاث التطبيقية وإيماناً من الدولة بدور البحث العلمي في خدمة أهداف ومحاور التنمية المستدامة، فقد اهتمت الدولة بَإنشاء المركز القومي لبحوث المياه التابع لوزارة الموارد المائية والري المصرية والذى يضم 12 معهداً بحثيا متخصصاً فى مختلف تخصصات الموارد المائية ليصبح بذلك ذراعاً بحثياً للوزارة وبيتاً من أهم بيوت الخبرة العالمية، وبالأخص في إنشاء وتشغيل النماذج الطبيعية. هذا.. بالإضافة الدراسات التى تتم لتقييم الأمطار والسيول وتصميم أعمال الحماية وتخزين المياه والاستفادة منها وقد قام المركز بإعداد أطلس دقيق يحتوى على حصر لجميع الوديان ومخرات السيول في مصر، كما ساهمت بحوث ودراسات المركز فى توفير قاعدة بيانات دقيقة عن عمليات النحر والترسيب على طول خط الشاطئ، وأعد المركز مقترحات وبدائل لأعمال الحماية، ويقوم بمشاركة أجهزة الوزارة بالإشراف على التنفيذ والمتابعة لكافة أعمال الحماية للمدن الساحلية . وفى مجال بحوث المياه الجوفية تقوم الوزارة بالتنسيق مع الجهات البحثية وجامعة القاهرة بإعداد الخرائط الهيدروجيولوجية لتحديد وحصر إمكانيات الخزانات الجوفية المختلفة بمصر، وتقييم امكاناتها باستخدام النماذج الرياضية، واقتراح سيناريوهات مستقبلية للتنمية ومحاكاتها رياضيا. وفى مجال مراقبة وتشغيل منظومة الرى تم الاعتماد على نظم الاتصالات الحديثة التى تستطيع نقل المعلومات من مناطق البعيدة الى متخذ القرار على مدار الساعة بل وامكانية التحكم فى التشغيل مثل تشغيل الابار وايقافها من خلال التحكم من بعد بما يساهم فى تعظيم الاستفادة من كل قطرة مياه متاحة. في ختام كلمتي أرجو أن تثمر المشاركة الفعالة للسادة الحضور عن تبادل الخبرات وطرح الأفكار والرؤى التى تساهم في تحسين وتطوير نظم ادارة الموارد المائية حتى نستطيع مواجهة التحديات المائية المتمثلة فى ندرة المياه، وأدعو الله أن يكلل مجهودنا جميعا بالنجاح. وأتمنى لكم والتوفيق في أعمال هذا المؤتمر الذي نرجو أن تكون قرارته وتوصياته على قدر المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتقنا جميعاً من أجل توفير حياة كريمة ملؤها الرخاء والازدهار لشعوبنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.