دور رائد سجله التاريخ لمصر فى السعى وراء تحقيق التلاحم الثورى الشعبى وتوحيد صفوف القوى الوطنية وحركات التحرر في الدول المحتلة الدول لتحقيق الاستقلال فى أعقاب اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، وارتبطت الثورة فى الأذهان بصورة الرئيس الراحل الزعيم جمال عبد الناصر الذى بات رمزا لدعم حركات التحرر فى مواجهة الاحتلال واستمرت الصورة هكذا حتى يومنا هذا بعد مرور 66 عامًا على قيام الثورة. بداية شهادة ميلاد دور مصر عربيًا وإفريقيًا وأعطت ثورة يوليو إشارة بداية صناعة دور إقليمى لمصر عربيًا وإفريقيًا استمرت آثاره الإيجابية حتى اليوم، تكثفت جهود مصر لحصول السودان على استقلالها بعد قيام ثورة يوليو 1952، ووقفت مصر بإصرار أمام مناورات بريطانيا لتسويف حل مشكلة السودان، مما عجل التوصل إلى اتفاق فبراير 1953 بين مصر وبريطانيا وهو أن يكون للسودان الحق فى تقرير مصيرها. وأصبحت بذلك جمهورية السودان الديمقراطية أول دولة إفريقية تحصل على استقلالها نتيجة لجهود مصر، فى يناير سنة 1956، وكانت أول دولة تعترف بها هى مصر، كما كان أول سفير يقدم أوراق اعتماده لدى السودان هو سفير مصر. القضية الفلسطينية وشهادة ميلاد دولية لمنظمة التحرير وكان لمصر دور بارز ومستمر فى عرض القضية الفلسطينية أمام المحافل الدولية وأيدت على الدوام حقوق الشعب الفلسطينى وحث المجتمع الدولى على القيام بدوره فى حل القضية الفلسطينية، وأيضاً كان لمصر السبق فى ضرورة إيجاد هيئة سياسية تمثل الشعب الفلسطينى وتجسد ذلك فى القرارات التى اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بأغلبية كبيرة لصالح الفلسطنيين، والمتضمنة دعوة منظمة التحرير باعتبارها ممثلاً للشعب الفلسطينى لإرسال وفد عنها يشارك فى مناقشة قضية حق الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، وإعطاء المنظمة الحق فى حضور كافة المؤتمرات الدولية التى تعقد تحت إشراف الأممالمتحدة، وهكذا برزت الشخصية الفلسطينية على المستوى الدولى ممثلة فى منظمة التحرير التى اكتسبت بذلك قدراً كبيراً من الشرعية الدولية. كما وقفت الثورة بجانب الشعب الفلسطينى عقب أحداث أيلول الأسود 1970 فى الأردن( أيلول الأسود هو الصراع الذي نشب في الأردن بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في المقام الأول بين 16 و27 سبتمبر 1970 مع استمرار بعض الأعمال حتى 17 يوليو 1971) فقامت مصر بالجهد الرئيسى لاستئناف عقد اجتماع قمة، والتى تمخضت على عقد اتفاقية القاهرة وهى الاتفاقية التى نصت على إنهاء كافة العمليات العسكرية من جانب الأردن ضد المقاومة الفلسطينية وكان هذا آخر ما قدمه عبد الناصر للشعب الفلسطينى، والذى توفى بعد توديع آخر ضيوف هذا المؤتمر فى 28 سبتمبر سنة 1970. وهو ما أوضحه السفير محمد المنيسى مساعد وزير الخارجية الأسبق، بقوله إن مصر فى أعقاب ثورة 23 يوليو امتد دورها بشكل كبير فى إفريقيا والمنطقة العربية، حيث لاقت جميع حركات التحرر التى انطلقت فى أعقابها الدعم المادى والمعنوى من مصر، حيث نجحت القاهرة فى دعم حركات التحرر فى عدن وخرجت بريطانيا منها بعد إنشائها قاعدة عسكرية فيها. الجزائر والإذاعة المصرية دعمت ثورة يوليو وقياداتها المناضلين الجزائريين، فكانت إذاعة صوت العرب تمثل دعما إعلاميا لخدمة الثورة الجزائرية، كما أنشئت فى نوفمبر سنة 1955 إذاعة سرية خاصة للجزائر تذيع البيانات، وكانت الصحافة المصرية خير عون للثورة الجزائرية بنشر أخبارها والتحدث عن انتصاراتها، وأنشئت أول حكومة للجزائر فى المنفى وكان مقرها القاهرة سنة 1958، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل استمرت الثورة فى مساندة ثورة الجزائر حتى انتصرت على الاستعمار الفرنسى وحصلت على استقلالها سنة 1962، وظلت مصر تدعم الجزائر سياسياً وعسكرياً ومادياً وفنياً بعد الاستقلال لمساعدة النظام الوليد على مواجهة الأعباء والمشاكل التى تركها الاستعمار وحتى تعيد للجزائر هويتها العربية. تخطى دور مصر فى مساندة ثورة اليمن الشمالى عام 1962 الحدود التقليدية، وامتد استجابة لنداء قادة الثورة - إلى تقديم العون العسكرى المباشر بإرسال الآلاف من جنود مصر للوقوف بجانب الثورة الوليدة ضد أعدائها من بقايا أسرة حميد الدين المعزولة ، والقوى الرجعية التى تساندها ولم تخرج مصر من اليمن إلا وقد ترسخت دعائم الثورة فيها وأخذت تخطو خطى سريعة للحاق بركب التقدم وكان الوجود المصرى فى اليمن الشمالى ونجاحه فى دعم ثورته ، حافزاً لجبهات التحرير فى اليمن الجنوبى لتصعيد كفاحها ضد السلطات البريطانية هناك . ومع تزايد مساعدات مصر للثورة فى اليمن الجنوبية منذ اندلاعها عام 1963 ، اتسعت حدودها وشملت كل مناطقها وحققت انتصارات سريعة مكنتها فى النهاية من تحقيق هدفها بقيام الجمهورية عام 1967. من جانبه، قال المهندس أحمد بهاء شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى أن الدور الذى لعبته مصر فى الخمسينات والستينات كان موضوعى مرتبط بتطلعات الشعوب بالاستقلال والتخلص من الاسعمار، ووجود الاتحاد السوفيتى وبروز قيادات تاريخية مثل زعماء الهند ويوغوسلافيا شكلت أرضية موازية ساهمت فى تشكيل حركة عدم الانحياز، بالإضافة لوجود شخصية كاريزمية مدركة لدور مصر. وفى سياق متصل، نجد أن جيش العراق فى 14 يوليو 1958 عندما أطاح بالنظام الملكى وأعلن الجمهورية كانت مصر فى مقدمة القوى المساندة للنظام الثورى الجديد وتدعيمه مادياً ومعنوياً، وعندما هددت القوى المعادية للنظام الثورى العراقى وهى أمريكاوبريطانيا وبدأت تحركات عسكرية وحشود فى الأردن قطع عبد الناصر زيارته ليوغسلافيا وتوجه إلى موسكو، واستطاع أن يقنع قادة الكرملين على القيام بمناورات عسكرية كبيرة على الحدود البلغارية التركية وحملت موسكو نتائج تدخل الغرب فى العراق ، ثم أعلن عبد الناصر أن أى عدوان على العراق يعد عدوانا على مصر ، وتم توقيع اتفاقية تعاون كامل بين البلدين عام 1958. كما قامت مصر بتدعيم حركات التحرر فى تونس والمغرب حتى تحقق استقلالهما عام 1956، وقامت مصر بالدفاع عن حق الصومال فى تقرير المصير، كما ساهمت مصر أيضاً فى الحفاظ على استقلال الكويت. وأوضح شعبان فى تصريحات خاصة ل"بوابة الأهرام" أن دعم مصر خلال تشكيل حركة عدم الإنحياز منحها أهمية فى دعم حركات التحرر ومساندة شعوب العالم العربى والمنطقة فى مواجهة التسلط والاستعمار. وأشار الى أن دور مصر فى مساندة ثورة الجزائر دفعت ثمنه بمشاركة فرنسا فى العدوان الثلاثى. ولفت رئيس الحزب الاشتراكى الى أن مصر كانت ملتقى للحركات التحررية بكل من كوبا والكونغو وموزمبيق وبيت لهم وداعم ومساند وقدمت مساعدات مادية ولوجوستية. ولعبت الإذاعات الموجهة دورا كبيرا فى دعم هذه الحركات التحررية وفتح مصر على العالم الإفريقى، مما أعطاها قيمة كبيرة فى المجال العالمى وجعلها ذات اسم وهيبة تاريخية كبيرة. وأكد المهندس أحمد بهاء شعبان أن ثورة 23 يوليو ساعدت على الوقوف فى وجه الاستعمار ومواجهة الاستغلال الرأسمالى والانحياز للطبقات الفقيرة، ولكن هذا تغير كثيرًا عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث انتقلت دفة اللعبة السياسية العالمية لتكون فى قبضة الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة 99%. ولفت رئيس الحزب الاشتراكى إلى أنه تم الترويج أن ثورة يوليو دمرت مصر وأن الاتحاد السوفيتى لم يساندها فى هذه الفترة، وترتب على ذلك التشويه للثورة بدء تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى وفقدت مصر قدراتها وسط العرب التى سعى لبنائها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحدثت قطيعة كاملة بين مصر وإفريقيا تكرست بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك. وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر حاليا بدأت تستعيد جزءا كبيرا من تواجدها فى إفريقيا، خاصة فى ظل توجهات السياسة الخارجية المصرية التى تعظم من تدعيم العلاقات المصرية الإفريقية فى طريقها للتأهل لاستعادة الدور الكبير الذى كانت تلعبه بالقارة من دعم اقتصاديات الدول الضعيفة ودعم حركات التحرر فى مواجهة الاستعمار وتوفير منح دراسية وتوفير الخدمات الطبية التى يقدمها أطباء مصريون فى عدد من الدول الإفريقية. واتفق معه فى الرأى المهندس أحمد بهاء شعبان، إنه فى عهد الرئيس عبد الفتاح السياسى، شهدت العلاقات بإفريقيا تحسن نسبي، مشيرا إلى أن تراجع نفوذ مصر بالقارة الإفريقية مرحلة مؤقتة وإنه لا غنى لمصر عن توجيه سياستها الخارجية إلى مجالها الأكثر حيوية بإفريقيا ودول العالم الثالث، نظرا لوجود مجالات للتفاعل الاقتصادى مما يفتح الباب أمام إنشاء تحالفات اقتصادية تزيل أى أسباب للتوتر، مع ضرورة تسريع وتيرة التعاملات مع إفريقيا ودراسة كيفية تسويق الخبرات المصرية لتوظيفها بالشكل الصحيح. وأضاف السفير محمد المنيسى فى تصريحات خاصة ل"بوابة الأهرام" أن دور مصر الداعم لحركات التحرر بالقارة الإفريقية لعب دورا إيجابيا فى دعم مصر فى أزمة مياه النيل الحالية، لأن ذكرى الرئيس جمال عبد الناصر مازالت حاضرة. وأرجع شعبان السبب وراء أزمة سد النهضة وجود تراكمات سلبية نتيجة لنظرة الشك التى انتابت العلاقات مع الأفارقة، حيث تسلل إليهم أن مصر تنظر لهم نظرة تهكم، وبناء على هذه التراكمات ظهرت أزمة سد النهضة، وأصبحت مصر وحيدة فى مواجهتها.