قررت منذ فترة عدم التعليق على مايكتبه بعض الأصدقاء على الفيس بوك؛ في حالة الاختلاف التام في وجهات النظر، ذلك لأني تأكدت إن مساحة قبول اختلاف الرأي أصبحت معدومة؛ حتى مع الالتزام التام بالرد بمنطق وأدب ولياقة. اكتفيت بعدم التعليق؛ لأن النتيجة معروفة مسبقًا، عنف وتهم وزيادة الشعور بالغضب الذي يولد الغل أحيانًا.. لكني منذ فترة تهورت - أو هكذا تصورت - للحظة حين قررت أن أعلق تعليقًا مقتضبًا على كلام غاية في القسوة، لكنه لا يحمل أي تجاوز، توقعت إن صاحب البوست - وهو صديق لا أعرفه شخصيًا - سوف يرد علي بشدة وحزم، وبعض التهم غير المباشرة، وقررت في تلك الحالة أن أعجب برده، ولا أستمر في مجادلته. فوجئت به يجيبني بلهجة رقيقة جدًا دون الدخول في تفاصيل ما كتبته، أو أصل الموضوع الذي كتبه في البداية، كل ما اهتم أن يبلغني به هو جزيل شكره وتقديره الفائق لتعليقي الذي اتسم بالأدب والاحترام والرقي كما وصفه. سعادتي بتعليقه، ومدى امتنانه لي لم يمنع شعوري بالأسى على المأسوف على شبابها "الأخلاق" التي خرجت وقررت إلا تعود أبدًا، ربما تظهر فقط على استحياء كالضيف الخفيف، لم تعد صاحبة بيت ولا حتى من أقاربها، لا تشبه إلا بائع اللبن أو محصل الكهرباء الذي يأتي للباب، ولا يسمح له بالدخول أبدًا.. لذلك يشعر بعض ممن يفتقدونها حين يلمحونها من بعيد - أو بين السطور - بالامتنان والتقدير لدرجة مبالغ فيها. حقيقة لا أعرف أي فائدة تعود على من يتعمدون الإساءة والتجاوز الفعلي أو اللفظي، ما الضرر الذي يقع على أي شخص إذا ما تمسك ببعض الخلق الحميدة؟!! ما الفائدة من التراشق بالتهم والألفاظ النابية والتعامل بدناءة؟! ما السر وراء الشعور بالانتصار والزهو كلما نجح أحدهم في إهانة الآخر، أو التعدي عليه بأي أسلوب؛ سواء بالفعل أو القول، في أي مكان في الشارع أو العمل أو حتى في العالم الافتراضي!! أكيد هناك أمل في أن نستقطب تلك الغائبة مرة أخرى.. هناك أمل في أن نجاهد أنفسنا لترتقي قليلا فقليلا.. هناك أمل في أن يقدم كل منا للآخر قدوة في اتجاه مختلف؛ حتى نعود إلى الحد الأدنى من الذوقيات والاحترام.. لن نغلق الباب وراءها، لن نسمح بقبول العزاء فيما يميز كل منا عن الآخر، لن نسمح بأن نخسر أنفسنا فنهون على الآخرين.