تقدم "بوابة الأهرام" علي مدار أيام شهر رمضان المبارك، تفسيرا ميسرا لبضع آيات من القرآن الكريم. ويتناول علماء مركز الفتوي بالأزهر الشريف اليوم معني "الإحسان" من خلال تفسير قول الحق سبحانه "إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين" { الأعراف: آية 56}. في حديث جبريل الطّويل، قال: يا رسولَ الله مَا الإحسَان؟ قال: الإحسانُ أنْ تعبدَ الله كأنّكَ تراهُ، فإنْ لم تكُن تراهُ فإنّهُ يراك، والإحسانُ أعلى مقامات السالكين، وتمام وصف الصّادقين، والدّأب لتحقيقه لهو شأن المحبّين، والإحسان بمعناه الأعم هو: فعل ما ينبغي من الخير، والمحسن هو: القائم بما يلزم على أتمّ الوجوه، أي أنه يقارب التمام في القصد وفي الفعل، حتىّ لا يدع في وسعه ما يظنّ أنه يمكن صرفه نحو تجويد العمل وإحسانه إلا وبذله، إنّ المؤمن مأمورٌ بالإحسان في عبادتهِ لربّه نيّة وكسبًا، وفي إنجازه عمله ومهامّه ، وفي معاملته مع أهلهِ، قال الله تعالى:" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" {البقرة: آية 83} ، مأمورٌ بالإحسان في مسلكه مع الخلق، وفي شأنه كلّه، وفي الحديث الشريف الّذي رواه أبو داود في سننه، عن شدّاد بن أوس – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - :" إنّ الله عزّ وجلّ كتب الإحسان في كلّ شيء، فَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» إنّ هذا التوجيه النبويّ بالإحسان في التعامل مع الذبيحة، لهو توجيه راقٍ، يعود بالنّفع على الإنسانيّة جمعاء، فهذا الحرص على الإحسان إلى الذبيحة، وإراحتها، وهي تساق إلى الموت، وما هي إلا لحظات ويتلاشى شعورها بالوجود، يستبطن في فحواه توطين الأنفس على رقة في القلب، ورهافةً في الضمير، تأبى على صاحبها شتى صنوف الإساءة، والأمر بالإحسان من الأوامر التي ينبغي للمعلم ومن يتصدّر للدّعوة إلى الله، أن يستصحبها على الدّوام، فيحسن في قصده التدريس والدعوة، ويحسن إلى من يوجهه ويرشده، فيأخذ بيده ويسلك به أحسن السبل، ويحسن في انتقاء العبارة التي يرشد بها، فالله تعالى يقول:" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" {البقرة:83} ومعلوم ومشاهدٌ كيف أن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها، وثمرة الإحسان في هذا المقام قريبة المنال، فإنّ الله يفتح على يد المحسن قلوبا غلفا، ويهديه إلى الدلالة على المراد، بما يترك في النفس أثرًا طيّبًا، وبما ينصلح به الحال، ومن جميل ما يظفر به المحسن، أنّه يجازى من جنس عمله، فيحسن إليه الله الجواد الكريم" هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَان"{ الرحمن : آية 60} وأعظم ثمرات الإحسان على الإطلاق هي محبّة الله " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " { البقرة: آية 195}.