مع كل يوم جديد من رمضان نتحدث عن شخصية إسلامية صنعت وحفرت خطوطًا عريضة في التاريخ الإسلامي؛ سواء من بيت النبي "صلى الله عليه وسلم"، أو من الصحابة، أو من الشخصيات التي لعبت دورًا بارزًا في الدين الإسلامي، ويروي لنا اليوم الدكتور أسامة فخري الجندي - الباحث بالأزهر الشريف، ومن علماء وزارة الأوقاف - تاريخ أم المؤمنين السيدة صفية، في حوار خاص ل"بوابة الأهرام".. وإلى نص الحوار: ** من هي السيدة صفية ونسبها وصفاتها؟ أما عن اسمها ونسبها وصفاتها: فهي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب، يصل نسبها إلى نبي الله هارون عليه السلام، وكانت السيدة صفية "رضي الله عنها" تتمتع بأسمى الصفات وأعلاها، فكانت شريفة عاقلة، صاحبة حسب وجمال، ودين وتقوى، وذات حلم ووقار، وقد روى ابن حجر عن أبي عمر، قال: (كانت صفية رضي الله عنها عاقلة فاضلة). ولعل المرأ إذا تأمل في هذه الصفات التي كانت تتمتع بها السيدة صفية "رضي الله عنها" لأدرك أخلاقًا عالية في شخصيتها، وإذا كان النبي "صلى الله عليه وسلم" يقول: (إن الله اختارني، واختار لي أصحابي) ، فإنه من باب أولى أن يختار له زوجاته، وزوجات النبي "صلى الله عليه وسلم" سيصرن جزءًا من الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأنهن سيبلغن عنه "صلى الله عليه وسلم" بشكل دقيق، وينقلن معظم الأحكام التي تتعلق بالأسرة وبالعلاقة الزوجية إلى الأمة الإسلامية، ومن هنا دان المسلمون جميعًأ لزوجات رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ** كيف تزوجت النبي "صلى الله عليه وسلم"؟ وكيف دخلت في الإسلام؟ زواجها: وقد كان زواجها رضي الله عنها في العام السابع من الهجرة، وقد أسلمت بعد زواجها من رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؛ ذلك لأنها كانت من سبايا خيبر، وقد جعل مهرها عتقها، وتزوجها النبي "صلى الله عليه وسلم" راغبة مختارة، كما أنه لم يكرهها على الإسلام؛ لأن الله عز وجل يقول:(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ). وقد دخلت في دين الله طواعية، لذلك عدت من أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن، أقامت مدة على دينها، ثم أعلنت إسلامها، ففرح النبي "صلى الله عليه وسلم" بهذا كثيراً، وفي حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لما أخذ صفية بنت حيي، قال لها: هل لك فيّ؟ قالت: يا رسول الله، قد كنت أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام؟). وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا). وبالنظر في هذه الرواية سنجد أنها تبرز لنا ملمحًا رائعًا، فهي توضح: أن إسلام السيدة صفية رضي الله عنها كان قبل زواجها من رسول الله "صلى الله عليه وسلم". والسيدة صفية بما كانت تتمتع به من حصافة وعقل وفهم ونظر وإنصات، روت عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أحاديثَ عديدة، ودخلت بعد ذلك في إسناد صحيح عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؛ حيث روى عنها بعض الصحابة كابن أخيها كنانة، ويزيد، وعلي، ومسلم بن صفوان، وإسحاق بن عبدالله بن الحارث، وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا. ** هل كان لها دور بارز في أي من الغزوات؟ لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة بأحداثها المليئة بالخيرات والبركات، وأقبلت السنة السابعة بما تحمله من خطوب جسام، وبزغ هلال المحرم من أول العام، فتهيأ النبي "صلى الله عليه وسلم" لمعركة حاسمة، تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز، الذي كشف لثامه في معركة الخندق. لما جاءت معركة الخندق كانت معركة حياة أو موت، معركة وجود أو عدم وجود، والله سبحانه وتعالى نصر النبي "صلى الله عليه وسلم"، وانكشفت نوايا اليهود الخبيثة، وانكشف مكرهم وخداعهم، فخرج النبي "صلى الله عليه وسلم" في النصف الثاني من المحرم إلى خيبر، وهي مدينة كبيرة، ذات حصون ومزارع وقلاع، تقع على بعد مائة ميل شمال المدينةالمنورة، من أكبر مدن الحجاز، ومن أشدها حصانة وقوة ومناعة، وكان مع النبي "صلى الله عليه وسلم" ألف وأربعمائة مقاتل، ما بين فارس وراجل. فلما أشرف النبي "صلى الله عليه وسلم" على خيبر قال لأصحابه: قفوا، وكان "صلى الله عليه وسلم" إذا غزا قومًا لم يغز عليهم حتى يصبح، فلما أصبح رآه عمّال خيبر، وقد خرجوا بمساحيهم، وفؤوسهم، ومكاتلهم، يقصدون مزارعهم، فلما رأوه صاحوا: (محمد والخميس، ثم ولوا هاربين، فقال "صلى الله عليه وسلم": الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين)، ثم سار النبي "صلى الله عليه وسلم"، يفتح عقول خيبر وحصونها واحدًا تلو الآخر، حتى إن حصن ابن أبي الحقيق فتحه، وجيء بسبايا الحصن، وفيهم صفية بنت حيي. إذن: صفية سبية من سبايا أحد حصون خيبر، ومعها ابنة عم لها، جاء بهما بلال "رضي الله عنه"، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية، صكت وجهها، وصاحت، وحثت التراب على وجهها، فقال "صلى الله عليه وسلم" لبلال: (أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما؟)، نعم إنها مقاصد النبوة (مقاصد الرحمة) حتى في الأسيرة، أسيرة أعدائه، كبر عليه أن يرى امرأة ضعيفة قتلى قومها أمامها، فقال لبلال: أنزعت الرحمة من قلبك، حينما تمر بالمرأة على قتلى قومها.