نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" الأمريكي، تقريرًا مطولًا تناول خلاله ما تواجهه إيران الآن من ضغوط قد تدفعها إلى الانسحاب من سوريا، بخلاف ما تسعى طهران لتحقيقه بأن تبقى بها إلى الأبد. وأشارت المجلة إلى "حميد رضائي" وهو جندي من ضمن أخر دفعة من الجنود الذين توفوا من أجل إيران في سوريا، حيث توفى جراء الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على قاعدة تي فور الجوية بالقرب من حمص، وكان يبلغ من العمر ثلاثين عامًا، وهو شاب تقي كان والده أيضًا جنديًا وترك وراءه طفلة رضيعة. حيث أُضيف رضائي إلى ال 2000 جندي إيراني المتوفين في سوريا منذ أن بدأت طهران بضخ قواتها إلى البلاد للدفاع عن نظام بشار الأسد. وكشف التقرير أن إسرائيل تحاول الآن الضغط على روسيا "صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا"، واللاعبيين الدوليين الأخريين، لإجبار إيران على مغادرة سوريا، وتوجيه تهديدات إليها بإجراء المزيد من الهجمات على المواقع الإيرانية داخل سوريا في حال بقائها، وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قد ذكر انسحاب إيران من سوريا كأحد الشروط ال 12 التي قدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لإلغاء العقوبات بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في الشهر الماضي. وفي المقابل يشير مسئولون وخبراء ومحللون إيرانيون إلى أن طهران استثمرت الكثير من الدماء والثروة داخل سوريا، حيث بلغ حجم إنفاقاتها بها 30 مليار دولار حتى الآن، ولذلك فهي عازمة على جني المكاسب الإستراتيجية المحتملة على المدى الطويل التي ستقدمها سوريا، حتى لو كانت على حساب المزيد من الخسائر. كما صرح رئيس تحرير واحدة من أهم الصحف الإخبارية في طهران، رفض ذكر اسمه، إلى "فورين بوليسي" أن "إيران لا تريد الانسحاب من سوريا، وأنها تمتلك مهارة بارعة في إدارة الأرض، وأنه بالرغم من الوجود الروسي المهم إلا أن دور روسيا على الأرض ليس بالقوي". هذا بالإضافة إلى الإصرار الإيراني الدائم بأن وجودها في سوريا بناءًا على طلب من دمشق وأنها لن تغادر إلا إذا طالبت هي بذلك، حيث كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قد قال "طالما أن وجودنا ضروريًا لمواجهة الإرهاب هناك ولطلب الحكومة السورية منا ذلك، فإن إيران ستحافظ على وجودها في سوريا وستقدم مساندتها إلى الحكومة السورية". وكان الأسد قد صرح خلال مقابلة تلفزيونية أجريت معه هذا الأسبوع أنه "لم يكن هناك قوات إيرانية قط داخل سوريا، وأن لدينا فقط ضباطا إيرانيين يعملون مع الجيش السوري كمساعدين". وأشارت المجلة، إلى أن إيران كانت قد تدخلت هي وحليفها اللبناني "حزب الله" في سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد قبل سقوطه كضحية أخرى لثورات الربيع العربي، وتصاعدت الاستثمارات الإيرانية داخلها إلى مليارات الدولارات، وقامت إيران خلال ذلك بتجنيد وتدريب الأشخاص الذين أتوا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا. ويقول منور فار هنج، وهو باحث إيراني ودبلوماسي مقيم في أمريكا، أن "إيران أنفقت أكثر ما لا يقل عن 30 مليار دولار بسوريا في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية"، في حين يرى الباحث الإيراني نديم شحادي أن إيران أنفقت أعلى من ذلك بكثير حيث يصل وفقًا له إلى 105 مليار دولار. ويضيف فار هنج أن "إيران حققت الكثير من الاستثمارات الاقتصادية والسياسية في سوريا، ولذلك من الصعب عليها حمل حقائبها والخروج منها". وأوضحت المجلة أن القوات الإيرانية تعمل حاليًا 11 قاعدة بكافة أنحاء سوريا، فضلاً عن تسع قواعد عسكرية للميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًا في محافظات حلب الجنوبية وحمص ودير الزور، بالإضافة إلى 15 قاعدة ونقطة مراقبة تابعة لحزب الله على طول الحدود اللبنانية مع حلب، وفقًا لنوار أوليفر، الباحث العسكري في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. وأشار محللون عسكريون إلى أن إيران تواجه بالفعل ضغوطًا روسية تدفعها الآن لنقل قواتها الموجودة في الجنوب السوري إلى دير الزور غرب الفرات، كما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع من أن "إسرائيل ستقوم بضرب أي محاولة من جانب إيران للبقاء عسكريًا في سوريا، ليس فقط في مرتفعات الجولان، ولكن في أي مكان بسوريا". ورأت المجلة أن الوجود الإيرانيبسوريا تجاوز الوجود العسكري، فهي تسعى الآن إلى زرع بذور مؤسساتها الأيديولوجية، فإلى جانب وجود نحو 12 منظمة مرتبطة بإيران في سوريا، تعمل مؤسسة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران "وهي مؤسسة خيرية مولت ونظمت إعادة إعمار جنوبلبنان بعد حرب عام 2006"، على إقامة مشاريع كبيرة بسوريا لإعادة بناء المدارس والطرق، وتقديم مساعدات لعائلات الميليشيات السورية المدعومة من إيران. وأضافت إن التواجد الإيراني في سوريا، يعمق ارتباط النظام أكثر بطهران، مما يعطي إيران الحرية العسرية للتوسع في المنطقة، فضلاً عن نقل الصراع من إسرائيل لنقطة قريبة. وفي الأشهر الأخيرة حصلت الشركات الإيرانية على صفقات بسوريا تشمل توفير الجرارات، وإصلاح شبكات التيار الكهربائي، وتعدين الفوسفات، فاستنادًا إلى التقديرات المقدمة من المسؤولين الإيرانيين، بلغ حجم الصارات الإيرانية السنوي إلى سوريا ما لا يقل عن 150 مليون دولار، كما بلغ حجم المشاريع التي حصلت عليها إيران 4.5 مليار دولار منذ العام 2013. كما تتواجد إيران في الكثير من الحدود العراقية- السورية، الأمر الذي يمنحها مكانة قوية في حال تخطيطات لمستقبل سوريا، وأضاف أوليفر "إنهم يسيطرون على الطريق في الصحراء السورية، ويسيطرون على خط أنابيب مهم مما يعطيها وزنًا خلال أية مفاوضات". وسلطت المجلة الضوء على ما تواجهه إيران من احتجاجات رافضة لتدخلها المستمر في سوريا، حيث يظهر بين الحين والأخر المحتجين، مطالبين بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي، رافعين يافطات منددة بالتورط الإيراني في الصراع. كما أن من يؤيدون ذلك التدخل قليلون مقارنة بهم. وأفادت العديد من التقارير أن هناك مفاوضات بين إيران وإسرائيل جرت عبر وسطاء أردنيين وروسيين لإيجاد تسوية مؤقتة في سوريا، واقترح علي الأنصاري، الباحث في جامعة سانت أندروز، خلال تصريحات للمجلة، إمكانية لشراء موقف إيران من خلال ضغوط تمارسها على كل من موسكوودمشق لدفع طهران للمغادرة، من خلال تقديم المزيد من العروض الاستثمارية للشركات الإيرانية". واختتمت المجلة التقرير بالتأكيد على أن انسحاب إيران من سوريا لا يبدو ممكنًا، حيث تعتبر إيران وجودها في سوريا بالضروري، والذي لا يوقفه سوى هزيمة عسكرية كاملة للحكومة السورية، وأنهم قد ينسحبون تكتيكيا فقط بسبب الضغط الروسي إذا اضطرت لتهدئة الأمور.