في الوقت الذى تواترت فيه الأنباء خلال الأيام الماضية عن عملية انسحاب إيراني من جنوبسوريا، وما تلاها من تقارير تشير إلى قرب انسحابها من سوريا بأكملها، عادت إيران عقب ذلك وأكدت عزمها البقاء في سوريا إلى أن تطالبها الأخيرة بالمغادرة، وأنها ليس لديها مستشارين عسكريين في الجنوب، ولم تشارك في آية عمليات في الآونة الأخيرة. أشارت فحوى تلك الأنباء إلى حدوث زعزعة في العلاقات الإيرانية- الروسية، تنطلق من بدء تخلي روسيا عن إيران داخل سوريا، جاء ذلك في إطار إعلان قاعدة حميميم الروسية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن اتفاق مبرم حول جنوبسوريا يتناول بشكل واضح سحب القوات الإيرانية المساندة لقوات الحكومة السورية في المنطقة، والتي نتجت عن تفاهمات روسية إسرائيلية، إلا أنه عقب تلك التقارير والتصاريح التي أشعلت الداخل الإيراني نفى المتحدث باسم الأركان المسلحة الإيرانية اللواء مسعود جزايري وجود مطالب بانسحاب وشيك للقوات الإيرانية من سوريا. ما عزز من تلك التكهنات بقرب الانسحاب الإيراني الكلي من سوريا، هو ما تواجهه إيران حاليًا من تحديات داخلية وخارجية منذ نشوب الاحتجاجات داخلها نهاية العام الماضي والتي لايزال صداها يدوي محافظاتها المختلفة حتى الآن، وما شكلته خطوة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي من عقبة كبرى أمام الحكومة الإيرانية تخطت مرحلة التهديدات بالانسحاب والتي جعلت الرئيس الإيرانى حسن روحاني أمام موقف صعب، لما يمثله الاتفاق النووي من كونه الإنجاز الوحيد له بحسب المواطنين الإيرانيين، إلى أن أصبح الانسحاب الأمريكي لم يخصه هو منفردًا، بل بات يعني الجمهورية الإيرانية بتياراتها المختلفة محافظين ومتشددين ومعتدلين، لما سوف ينتهي بها الحال من انهيار اقتصادي، وزيادة حدة الاحتجاجات التي تواجهها السلطة من قبل ذلك الانسحاب، والتي سوف يعززها تدهور الاقتصاد في مقابل استمرار حكومتهم بامداد الحكومة السورية بالدعم المالي وغيره، ومساندة بشار الأسد. وعقب احتدام الصراع بين إيران وإسرائيل داخل سوريا بشكل دفع الجميع إلى استشعار حدوث حالة حرب كبيرة بين البلدين تكون سوريا مسرحا لأحداثها، حاولت روسيا الموازنة ما بين حليفها المفترض في سوريا وهو إيران، وما بين إسرائيل التي تربطها بها علاقة مستقرة لما تمثله تل أبيب من كونها رابع أكبر شريك تجاري لها. ودفعتها المؤشرات التي تبين ما يمكن أن تنتهي به الضربات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية من تطورات تؤدي إلى مواجهة تهدد بسيطرة الأسد على السلطة، إلى دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا، وهي الدعوة التي كررها وزير خارجيته، سيرجي لافروف، وقال أنه يتعين على القوات السورية فقط الانتشار جنوبي البلاد، ورأت إيران أنها تريد الحل السياسي في سوريا منذ البداية، وأنه على القوات الأجنبية بما فيها الولاياتالمتحدة أن تغادر سوريا. ويمثل الدور الذي تلعبه روسيا أهمية كبرى في تخفيض التصعيدات بين إيران وإسرائيل، ولكن تأتي الصعوبة في تحقيقها التوازن بين الاثنين دون حدوث خسائر لها، ولذلك تشير بعض التقارير إلى أن القرار الذي يمكن أن تتخذه روسيا والذي سوف يعوضها عن تداعيات انسحاب الحليف الإيراني على الأرض السورية ، هو السعي إلى تعزيز قوة الجيش السوري إلى الدرجة التي لم يعد بحاجة للدعم الإيراني، وذلك نظرًا للتداعيات التي يمكن أن تواججها روسيا نتيجة الانسحاب الإيراني، وهو ما عبر عنه تصريح بوتين خلال لقاءه مع روحاني على هامش قمة منظمة شنجهاي للتعاون، أن التعاون الروسي الإيراني في سوريا ناجح. وفي إطار ما تم تداوله من اتفاق بين إيران وإسرائيل، نفى أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن تكون إيران أجرت مفاوضات مع إسرائيل في الأردن، خلال رده على تقارير تفي بلقاء جمع الطرفين في عمان، كما أنه هدد بأن عودة الأمن إلى كلًا من سوريا والعراق سوف تكون نهاية الأمن لدولة إسرائيل متفاخرًا بالهجوم الذي شنه الجيش السوري على إسرائيل بعد شن الأخيرة هجومًا على قاعدة تي فور، ورأى أن هذا الرد منح الحكومة السورية الثقة للوقوف بوجه إسرائيل، كما أيدت الجهود الروسية لجعل منطقة الجنوب السوري تحت سيطرة الجيش. تصعيدات متتالية يقف أمامها في النهاية صعوبة تحقيق الانسحاب الإيراني الكلي في سوريا، نظرًا لما أنفقته إيران حتى اليوم لتعزيز دورها بها، حيث يشير مسئولين وخبراء إيرانيين إلى أن طهران استثمرت في دمشق المال والرجال، وبلغ حجم ما أنفقته هناك منذ اندلاع الحرب أكثر من 30 مليار دولار، ووصل عدد القتلى الإيرانيينبسوريا نحو 2000 قتيل، ولذلك هي عازمة الآن على البقاء في الحرب لجني مكاسب ما قدمته على أشلاء ما تبقى من سوريا.