جلست في الطائرة العائدة إلى القاهرة قادمة من باريس، نظرت من النافذة على آخر مشهد يمكن أن تراه من عاصمة النور قبل أن تودعها، ثم التفتت لرجل شرقي الملامح يجلس إلى جوارها وسألته إن كانت رحلته للعمل أم السياحة، فنظر إليها قائلاً: "أنا مصري أعيش في باريس من أكثر من عشرين عامًا، وللأسف هذه هي المرة الأولى التي سمحت لي فيها الظروف أن أزور مصر منذ أكثر من عشر سنوات". تعجبت وتعاطفت، ثم قالت له "معلش".. تلك الكلمة استوقفت الرجل وتعجب "هو إنتوا في مصر لسه بتقولوا معلش!!!"؟. فعلاً نحن الشعب الوحيد صاحب ثقافة "معلش" نتعامل بها، نقولها بل فعليًا نفكر بهذا الأسلوب . بداية من سلوكيات الشارع، لو ترك أحدهم سيارته أمام خاصتك، ولم تتمكن من الذهاب لعملك في الموعد "معلش"، لو حتى خبط السيارة أو خبطك أنت شخصيًا "معلش"، لو تحرش بفتاة ووبخته "معلش". وغيرها من السلوكيات اللحظية.. وطبعًا الجماهير التي ليست طرفًا في أي موقف ترفع هذا الشعار، وإذا لم تتقبله طواعية فأكيد أنت شخص ظالم ومفترٍ . على مستوى أكبر.. إذا أفسد أحدهم عملاً ما "معلش" وهو نفس الرد حين يتأخر الموظف عن موعده أو يعطل مصالح الجماهير بدون سبب واضح "معلش باكل أو كنت بصلي" ، نفس الكلمة هي التعليق على التأخير في المواعيد، الذي يمارسه 99% من الأشخاص طبعًا، بالإضافة إلى عدم تذكر الموعد أو الحضور أساسًا. في البيت، الولد رسب في الامتحان "معلش" ، لم أتذكر بقية الطلبات، ليس هناك غذاء اليوم، استخدام أسلوب غير لائق كله "معلش".. وبما أننا نتعامل بهذا الفكر أو حتى نتقبله وصل الأمر إلى أن يكون هذا الرد أو التبرير وارد جدًا حين يجرحك أحدهم أو حتى حين يتجاوز، وأصبحت كلمة الأسف والاعتذار عزيزة لا تخطر على بال أحد . سقف "معلش" يرتفع كل يوم: فقدت عملك، فقدت أعز الناس، دمرت حياتك "برضه معلش"، وكأنها يد حانية تربط على كتفك. لم يتبق غير أن يدافع المجرم عن نفسه أو يدافع الآخرون عنه "معلش" بلاش نضي مستقبله . أطلت عليكم في أمر قد لا يستحق تلك المساحة من الهلاوس، لكن برضه "معلش"!