يشهد العالم أعلى مستويات من التشريد أكثر من أي وقت مضى، حيث شرد 59.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من أوطانهم، ومن بين هؤلاء هناك ما يقرب من 20 مليون لاجئ، أكثر من نصفهم تحت سن ال 18، وهناك أيضًا 10 ملايين شخص بلا جنسية حرموا من الحصول على الجنسية والحقوق الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية والعمل وحرية التنقل- وفقًا للأمم المتحدة -. ومنذ آلاف السنين، منح الهاربون من الاضطهاد والصراع حق اللجوء في أراض أجنبية، وظهرت وكالة الأممالمتحدة التي تساعد اللاجئين والتي تعرف أيضًا باسم مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمساعدة الأوروبيين الذين شردهم الصراع. الوضع بالنسبة للاجئين في مصر يختلف بعض الشىء عن نظيره في دول أخرى، ويعود ذلك بسبب الظروف الاستئنائية التي تعيشها القاهرة بعد موجات ما يعرف بالربيع العربي، التي أطاحت بالعديد من الأنظمة في المنطقة العربية في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، وتفاقمت ظاهرة اللاجئين بشكل أكبر مع دخول تيارات الإسلام السياسي في إشكالية الحكم، ماحدا بالنظام السياسي في مصر إلى فتح أبوابه للاجئين وتوفير الملاذات الآمنة لهم، من خلال دمجهم داخل المجتمع وتقديم كافة الرعاية المطلوبة. "بوابة الأهرام" التقت المسئول الإعلامي بمفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر "طارق أركاز"، وحاولت التعرف على طبيعة العلاقة بين المفوضية والحكومة المصرية وأعداد اللاجئين في مصر، وكيف تتعامل معهم السلطات المصرية من حيث الخدمات المطلوبة، وإلى نص الحوار: مدى تفاعل النظام المصري مع المفوضية بشأن احتياجات اللاجئين مقارنة بالدول الأخرى؟ مصر أحد البلدان التي وقعت على اتفاقية 1951 للاجئين إضافة على هذا، تم توقيع مذكرة تفاهم بين المفوضية وجمهورية مصر سنة 1954 والتي من خلالها يقع على عاتق المفوضية كل جوانب تسجيل وتوثيق وتحديد صفة اللاجئ، تحظى المفوضية بتواصل مستمر مع الحكومة المصرية في كل القطاعات وقد استقبلت مصر، حكومة وشعبًا، اللاجئين بحفاوة وكرم، وبشراكة مع مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين هناك العديد من الخدمات التي تقدم لهم من طرف العديد من الجهات المصرية من خدمات إدارية والخدمات الصحية والتعليمية الحكومية. ففي المجال الصحي: منذ بداية السنة الجارية، أتاحت وزارة الصحة لكل اللاجئين المسجلين مع المفوضية الحق في تلقي الخدمات الصحية الأولية في المستشفيات الحكومية. وفي نفس السياق لقد تم توقيع مذكرتي تفاهم اثنين في 2016 بين المفوضية والوزارة، تبرعت خلالهما المفوضية بأزيد من 2 مليون دولار على شكل معدات طبية حديثة وزعت على مختلف المحافظات من ضمنها أجهزة للكشف المبكر عن سرطان الثدي وأجهزة تنفسية للعناية المركزة وحضانات، مع تحسين بعد المنشآت الصحية، ومن شأن هذه التجهيزات أن تعود بالنفع على المواطن المصري وعلى اللاجئ. في التعليم: يستطيع السوريون والسودانيون الالتحاق بالمدارس الحكومية على قدم وساق مثل الأطفال المصريين، وقد وزعت المفوضية في 2017 ما يقارب 2 مليون كتاب وكراسات خط، مع إنشاء 11 مختبرًا للإعلاميات في مدارس مختلفة، وكل واحد مجهز ب30 حاسوبًا لكي يستفيد منه كل الطلبة المسجلين بالمدارس. ماعدد اللاجئين المسجلين في مصر وما هي الجنسية الأكثر عددًا في مصر؟ من خلال آخر البيانات التي أصدرتها المفوضية، وذلك في 30 من شهر سبتمبر 2017، سجلت المفوضية 213708 لاجئين وطالب لجوء منهم 124534 سوريًا، 35606 سودانيين، 14180 إثيوبيًا، 6630 عراقيًا، والعديد من الجنسيات الأخرى. في مصر لا يوجد أماكن مخصصة للاجئين، والحكومة المصرية تؤكد أنهم مدمجون داخل التركيبة السكانية لمصر ولا يوجد أي تمييز بينهم وبين المواطن المصري.. هل رصدتم فروقًا فيما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين بين مصر وغيرها من الدول؟ للاجئ في مصر حقوق وواجبات، وتقدم لها العديد من الخدمات من طرف المفوضية والحكومة المصرية، وبالفعل تعايش اللاجئ مع المجتمع المضيف داخل المدن وغياب المخيمات يتيح لها الفرصة في الحصول على الخدمات المتاحة له، في نفس الوقت يواجه نفس التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المواطن المصري من ارتفاع الأسعار والتضخم وقلة فرص الشغل. أثيرت في الفترة الأخيرة قضية التوظيف السياسي لملف اللاجئين من بعض الدول.. ما تقييمكم لهذا السلوك وكيف ترون هذه القضية ؟. من شأن الحقل السياسي أن يخدم القضايا الإنسانية وذلك بتكثيف الجهود واقتراح حلول ملموسة ومستدامة للاجئين في كل بقاع العالم، فاللاجئ شخص اضطر للخروج من بلده بسبب حرب قائمة أوبسبب اضطهاد ديني أوسياسي أوعرقي أولانتمائه لطائفة مجتمعية معينة، ومن ثم في أمس الحاجة للاهتمام بقضيته وليست ورقة تلعب في الساحة السياسية لكسب أصوات أو لخدمة مصالح معينة. بعض الدول لديها هواجس من تأثير اللاجئين على التركيبة الديموغرافية للمجتمع.. ما رأيكم؟ هذا صحيح ولكن يعتمد على التركيبة الديموغرافية لكل بلد على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى وضع لبنان، وهي تستقبل 1٬1 مليون لاجئ سوري مسجل مع المفوضية، إضافة إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني وغيرهم وعدد سكانها الإجمالي يقارب ال 6 ملايين نسمة، فهذا من الأرجح أن يكون له تأثير على التركيبة الديمغرافية، فيما يخص مصر، يبقى عدد اللاجئين ضئيلاً بالمقارنة مع بلدان الجوار وبإجمالي عدد السكان. هل يمكن اعتبار اللاجئين عبئًا على الدول المضيفة أم أحد عوامل النمو الاقتصادي؟ إذا بقي اللاجئ معتمدًا على الإعانات الخارجية والدعم الدولي فسيبقى وضعه راكضًا ومنعدم الأفق، بينما إذا تم تمكين اللاجئ ومنحه الفرصة لتبيين قدراته فسيكون بدون شك فردًا فعالاً في المجتمع يشكل قيمة مضافة ويساعد على النمو الاقتصادي والثقافي للبلد المضيف. ماذا تحتاج المفوضية من المجتمع الدولي؟ ما تطلبه المفوضية من المجتمع الدولي هو تضامن أكبر وتقاسم الأعباء والمسؤلية المشتركة تجاه اللاجئين، وذلك بتوفير حلول مستدامة ومعابر آمنة وقانونية وفرص لإعادة التوطين للاجئين الأكثر احتياجًا، فضلاً عن فرص لم شمل العوائل المنفصلة وتأشيرات دراسية وإنسانية. وفي الستينيات، نتج عن إنهاء الاستعمار في إفريقيا أول أزمة من أزمات اللاجئين العديدة في تلك القارة التي تحتاج إلى تدخل المفوضية، وعلى مدى العقدين التاليين، قدمت المفوضية المساعدة في أزمات النزوح في آسيا وأمريكا اللاتينية، وبحلول نهاية القرن برزت مشاكل جديدة للاجئين في إفريقيا، وحدثت موجات جديدة من اللاجئين في أوروبا نتيجة سلسلة الحروب في البلقان. وفي عالم يشهد فيه نزوح 42،500 ألف شخص قسرًا يوميًا نتيجة الصراع أو الاضطهاد، يبقى عمل المفوضية أكثر أهمية من أي وقت مضى- وفقًا لإحصائيات رسمية من المنظمة الأممية- . تم اختبار طاقة المفوضية في الآونة الأخيرة نتيجة أزمة اللاجئين غير المسبوقة، والتي أثرت على منطقة الشرق الأوسط بكاملها وأوروبا، واعتبارًا من منتصف شهر مارس عام 2016، سجلت المفوضية 2.1 مليون سوري لاجئ في مصر والعراق والأردن ولبنان، وسجلت المفوضية أكثر من 28 ألف لاجئ في شمال إفريقيا، وكان هناك ما يقرب من 900 ألف طلب لجوء من السوريين في أوروبا بين 2011 و2015، ومع ذلك فإن هذا الرقم يزيد قليلاً على 10٪ فقط من مجموع الذين فروا من الصراع.