منذ 128 سنة اشتركت مصر في أول معرض زراعي في تاريخها تم تنظيمه في عاصمة النور باريس عام 1889م حيث يسرد الكتاب النادر القديم "ارشاد الألبا إلي محاسن أوروبا" أطول رحلة قام بها مصريون في بلدان أوروبا في العاصمة باريس التي كانت تنقسم إداريًا لنحو 20 قسمًا، ويحيط بها سور تم بناؤه بمبلغ 140 مليونًا من الفرنكات، يحيط به خندق اتساعه 15 مترًا، وبها 17 قلعة، أغلبها تهدم في حروب 1870 و1871م وتم إصلاحه واستحداث 19 قلعة جديدة. ويسرد الكتاب النادر الذي ألفه محمد أمين فكري بك قاضي محكمة استئناف مصر الأهلية والمطبوع عام 1893م الكثير من العلاقات بين مصر وفرنسا التي كانت تستضيف المثقفين والمتعلمين لمشاهدة حضارتها، لافتا الى أن باريس كانت تتواجد بها 150 مطبوعة صحفية آنذاك، حيث أوضح الكتاب الكثير من القصص للمصريين في فرنسا مثل مصطفي الديب الذي كان منسقاً للمعرض الزراعي أو جيجون بك ناظر مدرسة الفنون والصنائع بمصر والذي كان يقوم برحلات لفرنسا لمشاهدة الآلات الحديثة وأحدث المخترعات في الصنائع . وأكد الكتاب "أن الوفد المصري أثار حفيظة موظفي الجمرك الذي يصفه بالكمرك بسبب صفيحة معدنية بها حلوي حيث بعد التدقيق فيها؛ فمنهم من قال إنها نوع من العقاقير، وآخر يقول إنها من المجهزات الكيماوية، وثالث يتفرس في هيئتها المشرقية ويقول إن بها نوعًا من الحشيشة، وبعد الجهد وإقامة الحجة تم التأكد أنها من الحلوي وقام الجمرك بأخذ 5 فرنكات لتمريرها. اشتركت مصر في المعرض الزراعي الأول في باريس واطلع الوفد المصري علي اهتمام الصحف الفرنسية بمشاركة الوفد المصري الذي قدم نماذج من المشربيات القديمة، ومنارة جامع قايباي بأحد جوانب المعرض، ومساكن مصرية عتيقة، وهي علي شكل هياكل ومناظر تعرض حال مصر ومنازلها وتم تعليق تماسيح على الأبواب، كما تم عرض نماذج لصانع القلل القناوي والفخار الأسيوطي، وقام مصطفى الديب، أحد المصريين في باريس بتأجير دكان في باريس من خلال الحكومة المصرية، ووضع فيه أنواع العطارة المصرية، وكان ينادي "سانتي مادام" أي "شمي يا سيدتي". كما تم عرض للملابس المصرية الوطنية، وهي الجبة والقفطان الشاهي والعمامة والمركوب الأحمر، كما استقدم البارون ده لور، وهو فرنسي، 50 حمارة بيضاء بحالتها، وجعل أجرة الركوب في شارع مصر بباريس إلى نقطة قريبة منه فرنكًا، فلم تكن الحمير تستريح دقيقة واحدة من النهار والليل لشدة إقبال الناس عليها، حتى اضطر مأمور المعرض إلى أن يصدر قرارًا بألا تركب هذه الحمير إلا في ساعات معلومة من النهار. تناقلت أخبار الصحف الباريسية المعرض المصري وذكرت رقصاتها ومغنياتها بجميل المدح وكمال الإطراء "فدخلناها والقهوة عبارة عن فسطاط كبير لها واجهة كبيرة على هيئة مشربية من أخشاب محكمة أمامها عمود مكسو بالقيشانى اللطيف مكتوب على بابها بخط عربى "عز صوان لنا فى داركم ...فادخلوه بسلام وسرور" ورقصت عيوشة وبعدها فهيمة فأدهشتا العقول بحركاتهما وبهرتا الحاضرين بحسن سبك ملابسهما المزركشة بالقصب والتلى المعمولة على الطراز المصرى القديم وبحليهما المصوغ على الطريقة الشرقية بمافيه من الخلاخل والجلاجل وقد اختصت احداهما بالرقص على الشمعة موقدة فى زجاجة تحملها على رأسها فى سائر حركاتها وجاءت بعدهما ثالثة أعجبت وجادت. في سادس يوم للوفد المصري والذي كان يوافق عيد الأضحي المبارك قام الوفد بصلاة العيد ثم أرسل برقية تهنئة للخديو عباس حلمي الثاني بمناسبة عيد الأضحي المبارك وبعدها رصد الوفد حال التعليم والمدارس في فرنسا حيث كان التلميذ في باريس الذي كان يجبر الطالب على دخول المدرسة بدفتر الذى يكتب فيه مرة فى الشهر وبنفسه وبدون مساعدة من المعلم موضوعات يقترحها عليه أستاذه ثم رصد الوفد المحكمة التي كان ينفذ فيها حكم الإعدام كما شاهدوا القبة التي دفن فيها نابليون بونابرت ووصفوا وصفا دقيقا للآثار المصرية والسورية والعراقية في متحف اللوفر حيث استعرض محمد أمين فكرى بك قاضى محكمة استئناف مصر الأهلية الكثير من آثار ومعالم باريس فى القرن التاسع عشر بل يقدم خريطة بصرية للقارئ قائلا "ولونظرت فى خريطة من خرائط باريس الآن لوجدت السين من الجنوب وسكة ريفولى من الشمال وبينهما سراى اللوفر العتيقة على شكلها المربع المحيط بالرحبة الداخلية ويليها الضلعان الممتدان بموازة نهر السين ". وأوضح أن أول من جمع الآثار فى باريس كان فرانسوا الأول ونحا نحوه الأمراء حتى أتت الثورة الفرنسية فجمعت ماكان متفرقا فى مساكن الملوك المنتشرة فى سائر الأنحاء، مضيفا أنه لماعادت الجيوش الفرنساوية من إيطاليا وألمانيا وماجاورها أخذت معها برسم هذا المحل حتى صار متحفا عموميا لسائر الديار حيث من الصعوبة التفرج على كل قاعاته، ويقول صاحب كتاب محاسن أوروبا "وإذا صعدنا السلم للوصول إلى الطبقة العلوية لمشاهدة الآثار المصرية وجدنا هذا السلم مغطاة جدرانه بأوراق معمولة من البردى عليها أقدم الكتابة المنسوبة لليونان والقبط وفى جملتها قطعة مأخوذة من هيكل الكرنك مكتوب عليها بالخط القديم واقعة من غزوات طوطميس الثالث من العائلة 38 وهو من أكبر ملوك مصر الأقدمين.