لم تكن الساعة قد جاوزت السابعة صباحا، خرج الزوج من منزله البسيط، يسير بخطوات ثقيلة مطأطئ الرأس، ملامح الحزن تبدو واضحة عليه، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، تجاوز من قابله من جيرانه غير عابئ بهم، الدهشة والحيرة تكسوان وجوههم، خاصة وسط تلك الصرخات الهستيرية التي تدوي في منزله، تابع الرجل طريقه، حتي وصل إلي قسم الشرطة بمنطقة أوسيم، وهناك بدأت كلماته تتضح، إذ كان يردد بلا انقطاع "أنا قتلت صباح مراتي"!. لم ينقطع صوت الصراخ والعويل بذهاب الزوج، مما دفع جيرانه في منطقة "زاوية ثابت" الريفية إلى التحرك باتجاه منزله، بعضهم بدافع الفضول والبعض بدافع المساعدة، لكن المشهد كان صادما لكل من رآه، فزوجة الرجل ممدة علي الأرض والدماء تخرج من فمها، وابنتهما الكبرى صاحبة ال13 عاما تحاول جاهدة إيقاظها، وكأنها لا ترغب في تصديق حقيقة مقتل أمها بيد والدها، ولا ينقطع نداؤها "ياما"، حتى بح صوتها وانهارت من كثرة البكاء. "محدش مصدق إللي حصل.. عمي قرني كان راجل طيب"، هكذا وصفت الفتاة العشرينية أمل محمد مقتل خالتها "صباح م. - 40 سنة" علي يد زوجها "قرني ف. - 43 سنة"، وتستعيد الفتاة ذكريات زواج خالتها، وتقول إن "قرني" تربطه صلة قرابة بهم، وتقدم للزواج من خالتها لحبهما الشديد لبعضهما، عاشا معا لعدة سنوات ورزقهما الله بثلاث طفلات، لكنهما انفصلا منذ 3 سنوات بسبب كثرة المشكلات بينهما، وشاء القدر أن تكون خالتها "صباح" حاملا في توأم وقت الانفصال، لتقرر بعد الولادة العودة لزوجها مرة أخري، ليقوما معا علي تربية أبنائهما الخمسة. وعن علاقة الزوجين ببعضهما بعضا، تضيف "أمل" أن خالتها وزوجها كانا شديدا التعلق ببعضهما، لا يتحركان إلا معا، وكان "قرني" يصحب زوجته أينما ذهبت، حتى إنه اتخذ أسرتها أهلا له، نظرا لأنهم يقيمون في منطقة أوسيم، ودائما ما تزور خالتها شقيقاتها وأشقاءها وزوجها معها، حتى إن "أمل" ووالدتها كانا يزورانهما قبل الحادث بيوم واحد، وليلة الحادث استضافت أسرتها الزوجين حتى قربة منتصف الليل، ليستيقظوا في اليوم التالي علي إثر ما حدث. "خنقها جامد لحد ما طلعت دم من بوقها"، تتحدث الفتاة عن مشهد قتل "قرني" خالتها "صباح"، وأن ابنتهما الكبري التي لم يتجاوز عمرها ال13 عاما، استيقظت علي صوت مشاجرة بينهما، وفوجئت بوالدتها مسجاة علي ظهرها والدماء تسيل من فمها وقد فارقت الحياة، مما دفعها للصراخ والبكاء حتي أيقظت الجيران، واتصلوا بخالتها الكبرى التي بدورها تحدثت مع باقي أشقائها وشقيقاتها، وحملوا "صباح" إلي المستشفي، أملا في إنقاذها، لكنها كانت جثة هامدة. تنهي الفتاة حديثها بأن خالتها حينما كانت تترك منزلها بسبب خلافاتها مع زوجها، كان يأتي بعدها ولا يتحرك إلا وهي في صحبته، مما أثار دهشة الجميع أن يقتلها بيديه المجردتين. وتضيف "أمل" أنها كانت تحب عمها "قرني" بشدة، ودائما ما حدثته عن خطيبها، وساعدها عدة مرات في حل مشكلاتها معه، لكن ما حدث أجل زواجها الذي تحدد موعده بعد 10 أيام. أمام العقار الذي شهد الحادث بشارع شكري في زاوية ثابت، جلس مالكه الستيني، علي حميدة، ويقول إنه يعرف "قرني" منذ مدة، فهو يعمل في نسخ المفاتيح، لكنه أتي إليه منذ 27 يوما تحديدا وأخبره أنه سيترك الشقة التي يقيم بها، وسأله عن شقة فارغة في عقاره، فرد بأن الشقة في الدور العلوي فارغة إذا ما أراد استئجارها، فلم يتردد "قرني" ونقل أثاث بيته البسيط، واستقر في الشقة هو وزوجته "صباح" وأولادهما الخمسة. "كان ابن حلال وما تسمعش صوته.. مش عارفين هو عمل كده إزاي"، يصف الرجل الستيني سلوك قاتل زوجته، ويضيف أنه رجل بسيط، ولا توجد له أي مشكلات مع جيرانه، لكنه في الفترة الأخيرة بدا مهموما، حيث جلس معه قبل الحادث بيوم واحد، وتحدث معه عن مشكلاته مع زوجته، وأنه يشك في سلوكها، فرد صاحب العقار "اتقي الله.. مراتك محترمة"، وطالبه بالتروي والصبر، حتى تحل تلك المشكلات، لكن "قرني" بدا غير مرتاح لما قيل. يضيف مالك العقار أنه في اليوم التالي استيقظ علي صراخ ابنة القتيلة في السادسة صباحا، لكنه نظرا لمرضه لم يتمكن من استطلاع الأمر، وبعدها أخبره الجيران أن "قرني" قتل زوجته، وتوالت بعد ذلك الأحداث، وحضر رجال الشرطة والنيابة بعدما سلم المتهم نفسه. عن سلوك الزوجة تقول إحدى جارتها – رفضت ذكر اسمها - إنها كانت "علي باب الله" – كناية عن امتهانها التسول، لكنها كانت قمة في الأدب والأخلاق، وأسرتها كلها تعيش في المنطقة نفسها منذ أكثر من 20 عاما، وكلهم معروفون بالاحترام، ولا يمكن أن يكون زوجها صادقا في شكه، و"زاوية ثابت" كلها يمكن أن تشهد بذلك. وسط حشد من ربات البيوت أمام منزل الواقعة، قالت إحداهن إن الزوج كانت تصرفاته غريبة في بعض الأحيان، وكان كثيرا ما يسير في الشارع يتحدث مع نفسه، حتى إنها لجأت إليه في مرة، لتصليح قفل المنزل الخاص بها وتركيبه، وبعد أن اتفقت معه علي أجره، طلب منها 5 أضعاف المبلغ، ليذهب معها، فتركته وانصرفت، ولم تجادله فيما يقول، خوفا من حديثه مع نفسه وتمتمته بكلام غامض. من جانبها، أمرت النيابة العامة بحبس المتهم 4 أيام علي ذمة التحقيقات، لاتهامه بقتل زوجته عمدا، والذى أقر في التحقيقات بأنه ارتكب جريمته، لشكه في سلوك زوجته، واعتقاده أنها تعرف رجلا غيره.