ست سنوات طويلة مرت، في تاريخ مفاوضات سد النهضة، تخللت السنوات الست العجاف جولات وصولات، تعددت جلساتها، حتى بلغت 15 اجتماعًا. الاجتماعات الخمسة عشر لم تكن كافية، لإقناع إثيوبيا بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ولم تبدد ساعاتها الطويلة، مخاوف المصريين من نضوب "سر الحياة" في "شريان" أراضيهم، وهي لم تكن بالقدر الكافي لتفهم أديس أبابا، عدم معارضة القاهرة تحقيق التنمية الإثيوبية، كما أنها لم تستطع إيضاح القدرة على التعاون لتحقيق أقصى الاستفادة من مياه "الرب". الأخطاء يتحملها الجانبان، فبين تعنت إثيوبي لتفهم وجهة النظر المصرية، وعدم توضيح الرؤية من المفاوض المصري لنظيره الإثيوبي، خلال سير مفاوضات سد النهضة، حول موارد المياه المتاحة في البلدين، سواء كانت مياه أنهار أو أمطارًا، كان من شأنه إيجاد نقاط خلافية عالقة، لم تتغير على مدار 6 سنوات في التفاوض، أو 15 اجتماعًا في مناقشات، لتقترب تلك المفاوضات الثقيلة من الوصول إلى خط النهاية. النقاط الخلافية التي برزت خلال رحلة التفاوض، كان أهمها حجم إنشاءات السد، التي تتضاعفت، من حيث الارتفاع، أو حجم تخزين المياه، فبعد أن كان مقررًا في الدراسات الأولية، تخزين حوالي 14 مليار م3 من المياه، تضاعفت إلى حوالي 34 مليار م3 في وقت لاحق، ثم إلى 74 مليار م3 من مياه النيل في التصميم النهائي، وليصل ارتفاع السد إلى 145 مترًا. هذا الحجم الهائل من المياه لا يستطيع السد الرئيسي احتجازها بمفرده، ولكن بمساعدة سد جانبي بين جبلين، كانت ستفيض منه مياه النيل عند امتلاء بحيرة سد النهضة، إلا أن إصرار إثيوبيا على إغلاق هذا المسار، لزيادة حجم وكمية تخزين المياه، جعل فتحات السد هي المسارات الوحيدة لوصول المياه إلى دول المصب، مما أثار تخوف مصر من تأثر حصتها من مياه النيل، بعدما أكدت عدة دراسات مصرية تلك الشكوك. الارتفاع الضخم لسد النهضة على النيل الأزرق، المصدر الرئيسي لمياه النيل في مصر، كانت أحد أبرز النقاط العالقة، فمع هذه الكمية من التخزين، تقول إثيوبيا إنها ستولد طاقة كهربائية عملاقة من السد، تتجاوز 6 آلاف ميجاوات، إلا أنه وفقا لخبراء، فإن هذه الطاقة الكهربائية يمكن توليدها بحجم أقل من تخزين المياه، وبارتفاعات أقل من الإنشاءات المنفذة، مما يعني أن كفاءة توليد الكهرباء من السد لا تتعدى في أحسن حالاتها 35%. بداية الاقتراب من النهاية، بدأت بإبداء مصر موافقتها المبدئية على تقرير الاستشاري الفرنسي، حول دراسات سد النهضة، أعقب ذلك زيارة الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري، والدكتور معتز موسى وزير المياه والري السوداني، يرافقهما نظيرهما الإثيوبي لموقع سد النهضة. وبحسب الوكالة الأنباء الإثيوبية، فقد أطلع مدير مشروع السد، المهندس "سمنو بقل"، الوفد الزائر على أهمية المشروع وفوائده، مؤكدًا حرص إثيوبيا على ضمان تلبية احتياجات البلاد من الطاقة، والدفع بتحقيق التنمية الاقتصادية مع حرصها الشديد على تحقيق المنافع لدول الحوض. زيارة وزراء المياه، لموقع السد، الذي ظل على مدار ست سنوات، محل خلاف، يأتي صبيحة الاحتفال الإثيوبي بيوم العلم الوطني العاشر، الذي جرت فعالياته أمس الأول. وأوضح الدكتور "دبرتسيون غبرمكائيل"، وزير الاتصالات والمعلومات الإثيوبي، ورئيس مجلس تنسيق مشاركات الجمهور لبناء سد النهضة -في تصريحات نقلتها وكالة أنباء بلاده- عشية زيارة وزراء المياه لموقع السد، أن يوم العلم يعتبر يومًا لتجديد التزامنا القوي بإكمال بناء السد، ومؤكدًا أن سد النهضة يعتبر رمزًا للوحدة بين الشعوب والقوميات الإثيوبية. وأضاف المسئول الإثيوبي، في كلمته خلال الاحتفال بموقع بناء السد، أن العلم الإثيوبي كان رمزًا لحرية الأفارقة، الذين عانوا من الاستعمار، وبالمثل فإن سد النهضة يعتبر صرحًا شامخًا، يبرز للعالم قدرة الأفارقة على بناء المشاريع الضخمة، بإمكانياتهم الذاتية. وشدد رئيس مجلس تنسيق مشاركات الجمهور لبناء سد النهضة، على أن الاحتفال بيوم العلم، الذي بُذل من أجله الغالي والنفيس، ينبغي أن يكون مصحوبا بالتزام قوي لإكمال بناء سد النهضة، الذي يعتبر صرحًا وضعت فيه بصماتها، كافة الشعوب والقوميات الإثيوبية. يذكر أن الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، قد توجه صباح الإثنين الماضي، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ للمشاركة في الاجتماع الوزاري للجنة الفنية الثلاثية، المعنية بمتابعة إعداد الدراسات الخاصة بالأثار المحتملة لسد النهضة على دولتي المصب. ومن المقرر أن يشارك الدكتور عبدالعاطي، على رأس وفد فني في الزيارة، التي ينظمها الجانب الإثيوبي لوزراء الموارد المائية والري بدول مصر والسودان وإثيوبيا، لموقع السد؛ لمتابعة الأعمال الإنشائية، والتحقق من التفاصيل الفنية الجاري متابعتها في إطار أعمال اللجنة الثلاثية الفنية، وذلك في ضوء حرص مصر على الانتهاء بأسرع وقت ممكن من الدراسات الفنية، بحيث يتم الأخذ بنتائجها عند بدء عملية ملء وتشغيل السد، وفقاً لاتفاق إعلان المبادئ. وأوضح الدكتور حسام الإمام، المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري، أن وزراء المياه المصري والسوداني والإثيوبي، قد تعرفوا فور وصولهم لموقع السد، على الموقف التنفيذي للإنشاءات، تم اصطحابهم بعدها في جولة تفقدية لأجزاء السد المختلفة، وفي مواقع مختلفة، وتم الرد على كثير من أسئلة الفنيين، سواء من الجانب المصري أو السوداني. وأكد الإمام، عدم بدء تخزين المياه في السد خلال هذا العام، ولم يتم تنفيذ أي أعمال تعوق حركة المياه الواصلة إلى مصر، حتي اليوم، مشيرًا إلى أن الجولة التفقدية للوزراء قد شملت السد المساعد، وخطوط نقل الكهرباء، ومحطة التوليد، وبحيرة السد. وأضاف المتحدث باسم الري، أنه من المنتظر عقد اجتماع وزاري، بحضور الفنيين من الدول الثلاث، لإيجاد حلول توافقية حول لنقاط الخلافية، التي تم رصدها في التقرير الاستهلالي الذي قدمه الاستشاري الفرنسي. ويبقى السؤال محلقًا في أفق الأمل، هل سيتمكن الوزراء في اجتماعهم المرتقب، من إزالة أسباب التخوف، وإعادة بناء الثقة؟، فإذا حدث ذلك.. سيكون الآوان قد حان لتستقر النقاط الخلافية حول بناء وتشغيل سد النهضة على "أرض التوافق"، بعد ست سنوات من التعلق بأحبال المفاوضات "الدائبة" !