تستعد وزارة الآثار لترميم كنيس "إلياهو هانبي" اليهودي بمدينة الإسكندرية، وهي العملية التي من المتوقع أن تتكلف 100 مليون جنيه. وأثار قرار الترميم اهتمامًا محليًا وعالميًا؛ حيث تداولت وسائل الإعلام العالمية القرار بنوع من الترحيب. ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرًا، اليوم الأربعاء، يتناول قرار الترميم، عنونته ب"مصر بصدد ترميم كنيس يهودي في مدينة تضم 8 يهود". كنيس إلياهو هانبي، الواقع بشارع "النبي دانيال" بمدينة الإسكندرية لم يكن هو الأول، فقد أثار قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني بترميم كنيس موسى بن ميمون، الواقع بحارة اليهود بالقاهرة، جدلًا كبيرًا على المستويين المحلي والعالمي. محليًا، تباينت ردود الأفعال تجاه قرار حسني، بين من رآه خطوة في طريق ترميم الآثار المصرية المهملة، وبين من رأى ذلك محاولة للتقرب من الكيان الصهيوني لنيل منصب رئيس اليونسكو، حيث كان حسني مرشحًا لرئاسة اليونسكو آنذاك، بيد أنه لم يوفق بعد تفتت أصوات الدول العربية. أما عالميًا فحظي القرار بترحيب من المهتمين بالتراث، الذين رأوا في إنقاذ المعبد اليهودي دليلًا على نية الحكومة المصرية في حفظ جزء مهم من تاريخ المدينة، فيما رأى البعض الآخر أن قرار الترميم كان محاولة للتغطية على ما تداولته الصحف بشأن رد حسني على أحد نواب البرلمان المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمون" بأنه "لو وجدت كتابًا يهوديًا في دار الكتب فسأحرقه". "إنه مشروع عظيم لجميع المصريين". هكذا قال أحد المهندسين العاملين بمشروع ترميم الكنيس لصحيفة "الجارديان"، وذلك بعض أن رفض ذكر اسمه. تتوقف "الجارديان" عند العدد الضئيل لليهود بمدينة الإسكندرية؛ حيث يعيش في الإسكندرية 8 يهود فحسب. ويأتي هذا العدد الضئيل بعد ظروف تاريخية لها أسبابها السياسية هي التي أدت إلى هذا التضاؤل في أعداد اليهود، ليس بالإسكندرية فحسب، لكن أيضًا في مصر بشكل عام. قبل نكبة 1948 كان عدد الجالية اليهودية بمصر يبلغ 80 ألف شخص، تمركز عدد منهم بمدينة الإسكندرية ذات الطابع الكوزموبوليتاني، إذ ضمت عددًا ضخمًا من الأعراق والديانات، كان العنصر اليهودي عنصرًا مهمًا فيها. وبعد النكبة بدأ عدد من اليهود في الرحيل عن مصر، والإسكندرية بالضرورة، إلى فلسطينالمحتلة حيث بدأ إنشاء الكيان الصهيوني. بيد أن الأمور لم تتوقف عند ذلك، فعقب العدوان الثلاثي في عام 1956 انتهج النظام المصري، وعلى رأسه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، سياسة شديدة تجاه اليهود الذين تورط عدد كبير منهم في عمليات تخابر مع الكيان الوليد، فيما تورط آخرون في عمليات إرهابية، كان عدد منها في مدينة الإسكندرية. هذه السياسة تمخضت عن تضييق أمني على اليهود، بالإضافة لمصادرة ممتلكات عدد كبير منهم، الأمر الذي أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من الجالية اليهودية، فيما أصر آخرون، ممن ولدوا في مصر بخاصة، على البقاء في مصر. بالنسبة للكنيس، فقد بني عام 1354، غير أنه سقط خلال الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798. وظل الكنيس مهدمًا حتى عام 1850، عندما تم إعادة بنائه في عهد الخديو إسماعيل، حاكم مصر آنذاك، وأعاد بناءه معماري إيطالي. يعد الكنيس أكبر المعابد اليهودية في الشرق الأوسط؛ حيث يتسع ل700 مصل. ويضم بداخله مكتبة مركزية تحوي 50 نسخة قديمة من التوراة. إلياهو هانبي هو أحد أنبياء بني إسرائيل الذي يعتقد اليهود، بحسب العهد القديم، أنه سيأتي في المستقبل، مبشرًا بخروج يأجوج ومأجوج، الشعب المعروف للديانات الثلاث، والذي يروى أنه سيظهر من إحدى مواقع آسيا ليلتهم الأخضر واليابس في طريقه. وبحسب الكتاب المقدس، فإن وظيفة إلياهو هانبي أن يهيئ اليهود للخلاص ويصلح قلوبهم. كما يعتقد اليهود أن ظهور هانبي سيكون قبل ظهور "الماسيا أو الماشيا" المخلص، الذي يعرفه العرب بالمسيح. كما يعتقد اليهود أن هانبي يظهر بشكل مموه في عيد الفصح المقدس لدى الديانة اليهودية، في تجلٍّ يشبه التجلي الذي يعتقد فيه المسيحيون بالنسبة للعذراء مريم. يضم الكنيس صفوفًا من المقاعد الخشبية تسع 700 شخص، كما يضم صناديق من الرخام مخصصة لجمع التبرعات لليهود من الفقراء والمرضى، وأعلى التابوت هناك مصابيح فضية مصممة بطرز قديمة. في غرفة خلفية بمعبد هناك ما يعرف بكرسي إلياس، أو كرسي النبي إلياهو، الذي كان يستخدم قديمة لممارسة طقوس الختان، التي تمثل طقسًا رئيسًا من طقوس الديانة اليهودية. وبصفته أكبر المعابد اليهودية في المنطقة، يحظى الكنيس بأهمية كبيرة لدى الكيان الصهيوني، وفي يونيو 2012 قالت صحف إسرائيلية إن متحف "الشعب اليهودي" استقبل نموذجًا مصغرًا للمعبد ضمن مجموعته لنماذج المعابد اليهودية في العالم. صورة من داخل المعبد صورة من داخل المعبد كرسي إلياس