أثارت أحداث العنف التي شهدتها مدينة تشارلوتزفيل بولاية فيرجينيا الأمريكية السبت الماضي تساؤلات عديدة عن طبيعة وعدد ونفوذ من يسمون بالقوميين البيض في الولاياتالمتحدةالأمريكية والذين حملهم المجتمع والإعلام ، مسئولية مقتل فتاة وإصابة 19 آخرين عندما دهس أحد المنتمين إليهم بسيارته حشدًا من المتظاهرين المناوئين لهم في المدينة. وفي الوقت الذي تتواصل فيه التحقيقات وتتكثف الإجراءات الأمنية ، وجه سياسيون وإعلاميون انتقادات واسعة للرئيس دونالد ترامب لأنه لم يوجه اللوم للقوميين البيض بل وضعهم مع المناوئين لهم في كفة واحدة حين أدان مناخ الكراهية وأعمال العنف في المدينة التي شهدت حشودًا ضخمة من القوميين البيض وغيرهم من قوى اليمين المتطرف وصفها البعض بأنها أكبر تجمع لهم منذ عقود حيث رفع هؤلاء علم الكونفيدرالية (الذي يشير إلى ولايات الجنوب التي أيدت العبودية) وساروا جنبا إلى جنب مع جماعات النازيين الجدد وجماعة ( كو كلوكس كلان) العنصرية و مئات من حليقي الرؤوس وعصابات سجن آريان وغيرها من الجماعات المتطرفة ، تحت شعار "وحدوا اليمين" ، مرددين هتاف "لن تحلوا مكاننا" في إشارة واضحة إلى كافة الأعراق التي لا تنتمي للجنس الأبيض. تظاهرة القوميين البيض التي جاءت من ولايات مختلفة إلى تشارلوتزفيل احتجاجا على قرار بلدية المدينة إزالة تمثال الجنرال "روبرت لي" الذي يعد رمزا من رموز الكونفيدرالية من ساحتها الرئيسية ، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة حسب تقدير خبراء السياسة والاجتماع في واشنطن وذلك لأسباب عديدة ، ولكن من هم أولا القوميون البيض؟ من هم القوميون البيض؟ اصطلاح " القوميون البيض" استخدم في الأصل باعتباره كناية عن "تفوق وسيادة الجنس الأبيض" وهو تعبير يستمد جذوره من التاريخ الأمريكي، حيث جرت الحرب الأهلية بين ولايات الجنوب المؤيدة لاستمرار العبودية (عبودية السود) وبين ولايات الشمال المناهضة للعبودية . ويؤمن أصحاب هذا التيار بأن البيض يتفوقون على جميع الأجناس الأخرى ومن ثم يجب أن تكون لهم السيادة والنفوذ في المجتمع. ويقول أورين سيغال ، مدير مركز مكافحة التطرف لموقع شبكة سي إن إن باللغة الإنجليزية ، إن من يحملون هذه المعتقدات يحملون رايات وأسماء متعددة ، فمنهم جماعات اليمين المتطرف وجماعات تصف نفسها بالمثالية. ويشير خبراء آخرون إلى أن المصطلح يشمل جماعات استخدمت العنف ضد السود واليهود والمسلمين مثل جماعة كو كلوكس كلان والنازيين الجدد. وتنظر هذه الجماعات إلى التنوع العرقي الذي يزداد داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتباره تهديدا مباشرا للبيض ولسيادتهم على المجتمع ، بل إن أحد شعارات القوميين البيض تقول " التنوع كلمة لقتل البيض" يتولد لدى أصحاب معتقدات تفوق الجنس الأبيض إحساس قوى بأن البيض هم الضحية وأنهم تحت حصار الأجناس الأخرى التي تستلب منهم الثروة والسلطة وأن كل هذا يتم عبر النخبة السياسية المعادية لهم التي تدفع بنظام جديد متعدد الثقافات والأعراق في الولاياتالمتحدة. ويقول جورج هاولي أستاذ العلوم السياسية بجامعة آلاباما: " إنهم يكرهون المهاجرين الأجانب من ثقافات أخرى والذين يدخلون الى الولاياتالمتحدة للعمل بأجور زهيدة ، كما إنهم يكرهون النخبة السياسية والاقتصادية الذين يسمحون ويشجعون على دخولهم لأمريكا ، وهم يكرهون وسائل الاعلام والأكاديميين الذين يحملون رسائل معادية لسيطرة البيض". ويربط داريل جونسون الخبير في مكافحة الإرهاب والتطرف بين سياسة الولاياتالمتحدة التي أصبحت أكثر انعزالية عبر سياسات إبعاد المهاجرين وحظر السفر من دول إسلامية وخطط لبناء حائط على الحدود مع المكسيك للحد من المهاجرين ، وبين أفعال وتصرفات القوميين البيض المتصاعدة ، مشيرا إلى أن هذه السياسات الحكومية كتبها أنصار اليمين المتطرف قبل 15 عاما ووجدت الآن طريقها للتنفيذ. ما حجم ونفوذ القوميين البيض؟ لأن عددًا قليلاً من القوميين البيض ينخرط في جماعات منظمة ، فإنه من الصعب تقييم مدى اتساع الحركة أو تقدير حجم الخطر الذي تمثله، فحركة اليمين المتطرف على سبيل المثال لا يوجد لها وجود رسمي ولا كشوف عضوية ومعظم من يعرفون أنفسهم بأنهم من اليمين المتطرف يتواجدون على مواقع التواصل الاجتماعي وبأسماء مجهولة أو تحت حسابات مزيفة ، ومع ذلك يقدر باحثون عدد أنصار سيادة الجنس الأبيض بمئات الآلاف كما أن عدد الجماعات المعبرة عنهم على الإنترنت ارتفع من ستمائة جماعة عام 2000 إلى تسعمائة جماعة الآن ، ويشير التحرك الأخير في ولاية فيرجينيا إلى تزايد عددهم على الأرض والمجاهرة به بعد أن كانوا في السابق تحت الأرض أو على شبكة الإنترنت فقط. ويرى مراقبون أنهم الآن يرغبون في الاستفادة من المناخ السياسي الحالي الذي يستشعرون معه أنه غير مسبوق وأن لديهم الآن صلاحية للتحرك والحديث وكأنهم جزء من النظام السياسي وأن ما حدث في تشارلوتزفيل سيقدم لهم فكرة واضحة عن حجم الترحيب بهم وبأفكارهم مما سوف يساهم في تشكيل خططهم في الأشهر والسنوات القادمة. ويحذر البعض مما هو قادم في الولاياتالمتحدة إذا ما ترك لهم الباب مفتوحا ، حيث ينذر جونسون من تصورات هذه الجماعات العنصرية مشيرا إلى فصل من كتاب "يوميات تيرنر" وهو من أدبيات القوميين البيض ويعد بمثابة الكتاب المقدس بالنسبة لهم ، حيث يضع هذا الفصل رؤية للولايات المتحدة تحت حكومة يقودها الجنس الأبيض يسير الناس في الشوارع آملين في رؤية جثث غير البيض تتدلى من مشانق أعمدة الإنارة. وتضيف هايدي بيريش الخبيرة في مجال مكافحة الكراهية ، إن أصحاب تفوق الجنس الأبيض يبررون القتل والتطهير العرقي للمهاجرين والأجانب الذين ينظرون إليهم باعتبارهم قطيع ماشية لا أكثر، وتضع هايدي بيريش تصورًا خياليًا لحكومة طاغية مستقبلا حال ازدياد نفوذ القوميين البيض دون محاسبتهم والتصدي لهم ، وأن هذه الحكومة سوف تحظر جماعات ومنظمات الحقوق المدنية من غير البيض وتركز كل السلطات السياسية في يد البيض وحدهم وخاصة الرجال منهم لأن هذه الحركات الرجعية التي تتعامل بعقلية القرن السادس عشر لا تمنح حقاً للمرأة حسب قولها. وتقول دراسة صدرت مؤخرًا إن الذين تربطهم علاقة باليمين المتطرف مسئولون عن 74 في المئة من عمليات القتل التي شنها متطرفون في الولاياتالمتحدة بين عامي 2007 و 2016 وبالرغم من هذه المخاوف التي تنتاب الكثيرين ، فإن معظم الخبراء يتفقون في أن ظهور حكومة ومجتمع يسيطر عليه البيض بعيد المنال إلى حد بعيد وأن التحذيرات من سيطرة القوميين البيض بالكامل ليست سوى خيال لا فرصة له على أرض الواقع. ووفقا لإحصاءات السكان الصادرة عام 2016، يشكل البيض في الولاياتالمتحدة نسبة 62 في المئة من إجمالي السكان في حين يشكل الأمريكيون من أصول لاتينية (هسبانيك) نحو 18 بالمئة بينما يمثل الأمريكيون من أصول إفريقية 13،5 في المئة وذوي الأصول الأسيوية نحو 7 في المئة ، غير أن معدل وفيات البيض زاد عن معدل مواليدهم للمرة الأولى عام 2015 كما يحصل نحو مليون مهاجر سنويا على الجنسية الأمريكية معظمهم من غير البيض.