"التماثيل المشوهة"، ظاهرة تمثل صداعًا في رأس وزارة الثقافة وتحديدًا قطاع الفنون التشكيلية، وتمثل رعبًا لجمهور الشخصيات العامة من الأدباء والفنانين، والمهتمين بالتاريخ ذلك. فلا تكاد تنتهي ضجة أحد التماثيل المشوهة حتى يظهر تمثال جديد، كان آخرها ما عرف بتمثال المرج المشوه. التمثال الذي يقع في شارع مؤسسة الزكاة بمدينة المرج بالقاهرة بدا غير مفهوم، أشبه بتمثال ساخر أو "دمية في فيلم رعب" كما وصفه رواد التواصل الاجتماعي، الذين تفاعل معهم المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، ليعلن قرار إزالته في مطلع الشهر الجاري. تمثال المرج هو الحلقة الأخيرة – حتى الآن- في سلسلة التماثيل المشوهة، التي طالت شخصيات من التاريخ القديم أو الحديث، وفنانين مصريين وأجانب، وأدباء. الملكة نفرتيتي التي ينبهر الجمهور المصري وغير المصري بدقة صنع تمثالها، وبجمالها هي شخصيًا الذي يصوره التمثال، والذي دفع عددًا من العلماء لوضع صور ثلاثية الأبعاد لها بناء على ملامح التمثال، لم تسلم من موجة التماثيل المشوهة؛ ففي يوليو 2015 ظهر تمثال في مدخل مدينة سمالوط بالمنيا، التي تعد نفرتيتي رمزًا لها، افتقد لأي قدر من الدقة أو الجمال، وأظهرها بشكل مثير للرثاء. واقعة نفرتيتي حركت مواطني الإسكندرية الذين طالبوا بإزالة تمثال يقول صانعه إنه للمخرج السينمائي الراحل يوسف شاهين، موجود في منطقة محطة الرمل، فيما لا توحي صورته بأي شبه بين التمثال وبين شاهين. والمثير في الأمر أن صانع التمثال أستاذ في كلية الفنون الجميلة بجماعة الإسكندرية. وفي نوفمبر من عام 2015 أزاح اللواء مصطفى يسري محافظ أسوان الستار عن تمثال للكاتب الراحل عباس العقاد أثار موجة كبيرة من السخرية والغضب في الآن نفسه، حيث ظهر التمثال ملونًا بلون أصفر فاقع، ضغط تفاصيل وجه العقاد بصورة غريبة ما جعله شبيهًا بإحدى الشخصيات الهزلية التي عرفت على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي سارع رواد هذه المواقع بنسبة التمثال إليها. وكانت وزارة الثقافة قد أعلنت آنذاك عن الشروع في توقيع بروتوكول تعاون بين الوزارة وبين وزارة التنمية المحلية بشأن تجميل الميادين، وهو الأمر الذي أثار حيرة المتخصصين والجمهور على حد سواء، الذين تساءلوا حول كيفية ترك أمر نحت التماثيل وتصميمها في يد غير المتخصصين بما تمثله هذه التماثيل من واجهة حضارية من جهة، ومن مؤثر في الذوق العام من جهة أخرى. في فبراير 2016 أثار المظهر الجديد لتمثال الفنان الراحل محمد عبد الوهاب، الموجود بحي باب الشعرية بالقاهرة، موجة جديدة من السخرية والغضب، وذلك بعد دهنه باللون الأصفر الفاقع نفسه الذي شوه وجه العقاد، بالإضافة لدهن بدلته بلون صوره الساخرون بإحدى أنواع الشيكولاتة الشهيرة، فضلًا عن رداءة نوعية الدهان نفسه الذي بدا واضحًا أنه دهان جدران، بالإضافة لطريقة الدهن نفسها التي وصفها البعض بأنه "دهان نقاش". بعدها بشهر واحد صُدم المصريون بتمثال للزعيم الراحل مصطفى كامل بمدخل مدينة دنشواي بمحافظة المنوفية، التي وقعت فيها حادثة دنشواي المعروفة، وبدا التمثال غنيًا عن أي وصف. "الرجل الأخضر". هكذا وصف تمثال الزعيم الراحل أحمد عرابي الذي ظهر في مسقط رأسه بمدينة سوهاج، وفيه يظهر ما يوصف بأنه عرابي شاهرًا سيفًا غريب الشكل، يخلو جسده من أية تفاصيل، بالإضافة لدهنه، حتى الوجه والشارب بلون أخضر فاقع، على حصان أبيض أعجف خالٍ من أية تفصيلة، وعلى قاعدة التمثال كتبت "تحيا مصر" بخط مصمم بالكمبيوتر. يبدو أن عام 2016 كان عام الكوارث الفنية، ففي أغسطس من العام نفسه ظهر تمثال للكاتب المصري الراحل رفاعة الطهطاوي، الذي يعد أحد بناة النهضة المصرية الحديثة، وذلك بمسقط رأسه بسوهاج أيضًا. تمثال الفنانة الراحلة أم كلثوم بميدان أبو الفدا بمنطقة الزمالك بالقاهرة أصابته هذه الظاهرة أيضًا، ولكن ب"الدوكو اللامع"، فلم يكد يمر أغسطس حتى فوجئ سكان المنطقة بدهن التمثال بدهان لامع بألوان فاقعة، غيرت لون بشرة كوكب الشرق لتمنحها لونًا شديد القتامة، فضلًا عن تمويه ملامحها بشكل كبير. ولم يكد يمر شهران من العام الجاري حتى فوجئ المواطنون في سوهاج بتمثال من المفترض أنه للملك المصري رمسيس الثاني، بدت أيضًا صورته أبلغ من أي تعبير. وقال مصمم التمثال آنذاك، وهو أحد مواطني القرية التي ظهر بها التمثال، إنه فعل ذلك بناءً على تعليمات رئيس القرية؛ "لإظهار الفن الفرعوني"! في يونيو الماضي افتتح أستاذ بجامعة المنيا تمثالًا للفنانة الأمريكية الراحلة مارلين مونرو، من المفترض أنه يحاكي تمثالها بشيكاجو بالولايات المتحدة، الذي يعد تحفة فنية. غير أن مارلين مونرو المصرية بدت مشوهة. وفيما تخفي مونرو الأمريكية جسدها بيديها مانعة تطاير الفستان بفعل الهواء، تبدو مونرو المصرية شبه عارية، الأمر الذي أثار موجة من السخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد من الفنانين التشكيليين، الذين توقفوا كذلك عند التفاصيل الجسدية للتماثيل، والتصوير غير الواقعي لحركته. هل تنتهي هذه التماثيل التي يراها كثيرون مسيئة للثقافة المصرية تعطي انطباعًا بأن الفن المصري قد نضب، ليكون تمثال المرج – الذي ما زال الجمهور حائرًا في توصيفه- هو آخرها؟ أم أننا في انتظار "كوارث فنية" جديدة ؟.