بمبناها الذي يشبه قرص الشمس المائل عند الشروق، تطل مكتبة الإسكندرية على شط البحر الأبيض المتوسط؛ في رسالة تنشر العلم والثقافة والمعرفة على العالم من الإسكندرية، وهو الدور الذي تبنته المكتبة ليس في عصرها الحديث فقط أو ما يطلق عليه عصر الأحياء، ولكن منذ نشأتها الأولى قبل 23 قرنًا من الزمان، حيث كانت لا تزال حلقة الوصل بين الشرق والغرب وبوتقة تنصهر فيها مختلف الثقافات. المكتبة التي تستضيف حاليًا فعاليات المؤتمر الوطني الرابع للشباب، الذي يشارك به 1300 شاب وفتاة، شهدت منذ تأسيسها زيارات لعدد كبير من الرؤساء والشخصيات السياسية من مختلف أنحاء العالم، كان أبرزها زيارة الرئيس السيسي، صباح اليوم الثلاثاء، للمشاركة في فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر الشباب الرابع. وقد اصطحب الدكتور مصطفى الفقي، رئيس المكتبة، الرئيس في جولة تفقدية بالمكتبة، شملت المتحف الخاص بمكتبة الإسكندرية، واستمع الرئيس لشرح تفصيلي وعرضًا عن مقتنيات المكتبة والمتحف، والمخطوطات فى العلوم والرياضات، ومعمل إعادة ترميم المخطوطات. وأعرب الرئيس في كلمته، عن سعادته الكبيرة بتفقد هذا الصرح العظيم، لما تمثله المكتبة من منارة ثقافية عالمية، وكاشفًا خلال كلمته التي سجلها بالمكتبة، عن إنشاء مكتبة عالمية خلال عامين، ستكون "توأمة لمكتبة الإسكندرية"، وذلك بمدينة العلمين الجديدة. المكتبة أيضًا شهدت زيارة العديد من الرؤساء، والسياسيين البارزين من مختلف أنحاء العالم، على مدار تاريخها، فقد حضر حفل افتتاحها كل من، الملكة صوفيا، ملكة إسبانيا، والملك عبد الله، ملك الأردن، وقرينته الملكة رانيا، والرئيسان السابقان الفرنسي "جاك شيراك" والمصري حسني مبارك، ولم تتوقف الزيارات إلى المكتبة التاريخية على مدار السنوات التي أعقبت افتتاحها، والتي كان أخرها زيارة رئيس دولة مقدونيا، "جورجى إيفانوف"، والكاردينال كريستوف شونبورن، رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بالنمسا، ورئيس وزراء هولندا الأسبق وليم كوك، في العام الماضي. مكتبة الإسكندرية منذ نشأتها الثانية في العام 2002، كانت حاضنة للشباب، كما تحتضن حاليا خلال فعاليات المؤتمر الوطني الرابع للشباب، وبدا ذلك جليًا، من خلال أنشطتها وفاعلياتها التي تنظمها؛ لمناقشة أهم القضايا التي تهم الشباب. وقبل أسبوع من الآن، عُقد لقاء داخل المكتبة، حضره عشرات المثقفين والمفكرين، والدكتور مصطفى الفقي، مديرها الآن، وقد صفوا خلالها المكتبة بأنها منارة العلم والثقافة، وأشادوا بما حققته من إنجازات طيلة السنوات الماضية، محليًا وإقليميًا ودوليًا، مطالبين بالحفاظ على ما تحقق، ومواجهة التحديات القائمة وإطلاق مبادرات جديدة. مكتبة الإسكندرية القديمة التي كانت أكبر مكتبات عصرها، اختلف العلماء على من مؤسسها، وإن كان المرجح أن مؤسسها هو "بطليموس الأول"، ويقال أنه تم تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر قبل 23 قرنًا، ويقال أيضًا أنه تم تأسيسها على يد "بطليموس الثاني"، في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، عام (285 247) قبل الميلاد. تعرضت المكتبة خلالها تاريخها الطويل للعديد من الحرائق، حتى اتتأحد الحرائق على محتواها تماما في عام 48 ق.م.، وفي عام 2002 تم إعادة بنائها تحت اسم مكتبة الإسكندرية الجديدة . بدأت فكرة إحياء مكتبة الإسكندرية تطرح نفسها بقوة في منتصف السبعينيات، من خلال اقتراح تقدمت به جامعة الإسكندرية، حتى دخلت الفكرة حيز التنفيذ لدى الدولة، في ثمانينيات القرن الماضي، بالتنسيق مع منظمة اليونسكو، التي تبنت الدعوة على المستوى الدولي. مكتبة الإسكندرية الجديدة أُنشئت وفق تصميم فريد من نوعه، في نفس الموقع الذي كانت تشغله المكتبة القديمة، وتضمنت فكرة تصميمها "الهرم المتدرج" في تصميم طوابق المكتبة، وقرص الشمس المائل عند الشروق في تصميم غلافها الخارجي، وساهم هذا التصميم في إبراز مبنى المكتبة كتحفة معمارية، تتناسب ومكانتها التاريخية، وقد تم اختيار هذا التصميم بعد مسابقة معمارية عالمية نظمتها منظمة اليونسكو، وشارك فيها مئات المكاتب المعمارية من عشرات الدول، وتم اختيار أفضل التصميمات من الشركة النرويجية. التصميم يضح اهتمام المصمم بالمشروع ومعناه الرمزي؛ لفكرة إحياء مكتبة الإسكندرية، حيث استوحى الشكل المميز للمكتبة بشكل دائرة غير مكتملة، أو أسطوانة مائلة في مواجهة البحر، جزء منها مختف تحت الأرض، والآخر يرتفع فوقها؛ لتوحي بأنها شمس دائمة الإشراق على العالم أجمع. وتضم أرفف المكتبة 200 ألف كتاب، إضافة إلى آلاف الوثائق والمخطوطات التاريخية والنادرة، في مختلف فصول العلوم والأدب والثقافة، وتم تنقيح المجموعات وزيادتها، كما تم إنشاء مجموعة خاصة للوسائط المتعددة للأطفال والشباب، وكذلك تم إنشاء مصادر إلكترونية، أسفرت عن خروج نحو 25 ألف مجلة إلكترونية، و20 ألف كتاب إلكتروني، وبلغ عدد الدوريات بها 4 آلاف دورية، فيما بلغت المواد السمعية والبصرية 10 آلاف، ويبلغ عدد المخطوطات والكتب النادرة 10 آلاف مخطوطة، متوقع أن تصل مستقبلًا إلى 50 ألف مخطوطة، وكتابًا نادرًا، ووصل عدد الخرائط بالمكتبة الى 50 ألف خريطة. وانضمت المكتبة إلى اتحاد المكتبات العالمية، وهو الاتحاد الذي يضم 30 مكتبة من كبريات المكتبات العالمية علي رأسها مكتبة الكونجرس، ولم ينضم إلي هذا الاتحاد منذ عام 2002 سوى مكتبة الإسكندرية، وتشترك المكتبة مع مكتبة الكونجرس الأمريكي أكبر مكتبة الكترونية عالمية في إطار مشروع يحمل اسم "المكتبة الرقمية العالمية"، لدعم وتنمية التفاهم الدولي عبر الثقافات المختلفة، وإثراء الشبكة الدولية للمعلومات بمحتويات ومواد ثقافية والمساهمة في دعم البحث الدراسي والعلمي.