150 عامًا مرت على تشييد القاهرة الخديوية، أول مدينة مخططة عمرانيا بمحاكاة النظام الأوروبي في أفريقيا والمنطقة العربية، بُنيت أثناء حكم أسرة محمد على باشا لمصر، حيث أسسها الخديوي إسماعيل في بداية حكمه عام 1863 م، إذ تحمل شوارع القاهرة الخديوية وميادينها عبق التاريخ ونفحات الماضي العريق بمعماريتها الفريدة. في كتاب "القاهرة الخديوية"، للدكتورة سهير زكي حواس، قدمت المؤلفة رصدًا وتوثيقًا وافيًا لعمارة وعمران القاهرة منطقة وسط المدينة، في كتابها الصادر عام 2002، عن مركز التصميمات المعمارية، إذ تقول الكاتبة إنه عندما تولى الخديوي إسماعيل باشا عرش مصر في عام 1863، فكّر بحماس في إعادة تخطيط وإنشاء القاهرة الجديدة، فعندما وصف كتاب الغرب القاهرة بقولهم - كما تشير المؤلفة - "خير لك أن تسمع عن القاهرة من أن تراها، وأنها عاصمة البعوض يعيش زائرها طول العام تحت الناموسية"، استثار حماس إسماعيل باشا، فرد عليهم بقوله "إن القاهرة ستكون قطعة من أوروبا وسوف تكون أجمل من باريس". من هنا انطلق إسماعيل باشا، لجعل القاهرة الجديدة أجمل من مدن أوروبا، فأطلق عليها مفكر غربي اسم "باريس الشرق"، لارتباط تخطيطها الجديد بتخطيط باريس الذي وضعه المهندس العالمي "هاوسمان" من فرنسا. وذكرت المؤلفة "سهير حواس"، أن إعداد وتصميم وتنفيذ مشروع القاهرة الجديدة استغرق خمس سنوات، وكان يمثل أحد المهام والمشروعات الكبرى بالنسبة لإمكانات ومفاهيم ذلك الوقت. في الباب الثاني من كتاب "القاهرة الخديوية"، رصدت المؤلفة 25 شارعا وميدانا في منطقة وسط البلد، بالإضافة إلى الشوارع الفرعية المتصلة بها، متتبعة تاريخها في الماضي والحاضر منذ إنشائها حتى اليوم، مستهدفة تأسيس قاعدة بيانات للمباني التراثية بمنطقة وسط المدينة بغرض حمايتها من الاندثار أو التعدي عليها بالإزالة والإحلال. أولًا؛ ميدان وشارع التحرير (الإسماعيلية سابقًا)، وهو يمثل قلب القاهرة الحديثة، وأيضًا مدخلها الرئيسي، ويعد عقدة مرورية بالغة التعقيد لاتصاله بعدة محاور مهمة، وهي؛ رمسيس والجلاء وطلعت حرب والتحرير والقصر العيني وأحياء أخرى مثل جاردن سيتي وعابدين،.... ويقطع الميدان شارع التحرير (الإسماعيلية سابقًا)، المتصل بكوبري النيل، ويمتد شرقًا إلى ميدان باب اللوق وميدان عابدين، وهو الشارع الذي أراد به الخديوي إسماعيل ربط ثكنات قصر النيل بقصر عابدين مقر الحكم. أطلق على الشارع والميدان اسم (الخديوي إسماعيل) نسبة إلى سراي الإسماعيلية التي بناها على جزء من الأراضي والأملاك التي أهداها إلى زوجته الثالثة "جشم أفت خانم أفندي"، وكان من المفترض أن يتوسط الميدان تمثال للخديوي إسماعيل، إلا أن لم يوضع بمكانه نظرًا لوصوله إلى مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 بأيام قليلة، وذلك بحسب رواية المؤلفة. ثانيًا؛ شارع هدى شعراوي (الشيخ حمزة سابقًا)، يتفرع من شارع طلعت حرب (سليمان باشا سابقًا)، ويمتد حتى يلتقي بالشارعين شريف باشا وعبدالسلام عارف، كما يقطع كلا من شارعي الفلكي ومظلوم باشا، ويتفرع منه شوارع مصطفى أبو هيف، ويوسف الجندي والبستان السعيدي، ويتميز هذا الشارع بتمركز محلات التحف والأنتيكات سابقًا، وكان اسمه الشيخ حمزة منسوبًا لضريح موجود باسمه. ثالثًا؛ شارع شمبليون؛ يبدأ عند شارع ميريت باشا، ويتقاطع مع شوارع محمد بك بسيوني، واسم شمبليون أطلق على الشارع تخليدًا لشخصية جان فرانسو شمبليون، العالم الفرنسي الذي فك طلاسم حجر رشيد. رابعًا؛ شارع عبدالخالق ثروت؛ ويبدأ عند ميدان العتبة، ويمتد مارًا بميدان الأوبرا "إبراهيم باشا سابقًا"، ومتقاطعًا مع عماد الدين، ومحمد بك فريد، وشريف باشا، وطلعت حرب وشمبليون إلى شارع رمسيس. كان اسمه شارع "المناخ"، حيث أنشأ إبراهيم باشا موقفًا للإبل بجوار جامع الكخيا، لكن الخديوي إسماعيل اشتراه من أخيه أحمد باشا رفعت وأدخله ضمن تنظيم منطقة الأزبكية، وتغير اسمه إلى عبدالخالق ثروت، ثم الملكة فريدة زوجة الملك فاروق، ولكنه عاد مرة أخرى إلى اسم عبدالخالق ثروت بعد الثورة (ثورة 1952).