شهدت مصر منذ بداية عام 2011، وتحديدا منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، تشكيل 3 وزارات مختلفة ب 3 وزراء مالية مختلفين فى آدائهم وقراراتهم. الأولي برئاسة الفريق أحمد شفيق، وكان الدكتور سمير رضوان، وزير للمالية. ولم تستمر تلك الوزارة أكثر من شهرين، والثانية برئاسة الدكتور عصام شرف، والدكتور حازم الببلاوي وزيرا للمالية، واستمرت نحو 8 أشهر، أما الوزراة الأخيرة –حتى الآن- حيث لم يتجاوز عمرها 3 أسابيع، هي وزارة الدكتور كمال الجنزوري، التي يتولي حقيبة المالية فيها الدكتور ممتاز السعيد. وبرغم أن وزارة المالية ، تعتبر واحدة من أصعب الوزارات لقيامها ب"التخديم" على باقي الوزارات الأخرى ، كما أنها تقوم، بالأساس، على رسم خطة طويلة الأمد للسياسة الاقتصادية فى البلاد، فإن تعاقب 3 وزارات فى أقل من عام أثر على آدائها سلبا، بحسب الخبراء، الذين قاموا بتقييم وزارة المالية فى عهد "الثلاثة" وزراء، موضحين أفضل وأسوأ قرار اقتصادي تم اتخاذها فى فترة الوزارات الثلاث. قال الدكتور سلطان أبو علي، وزير الاقتصاد الأسبق، إن وزير المالية الذي أتى بعد الثورة مباشرة إرتكب خطأين مباشريين، حيث فتح باب التوظيف، وهي ليست مهمة وزارة المالية أن توظف الناس، خصوصا أن حجم العاملين فى الحكومة أكبر من اللازم، فجاء له 7 ملايين طلب توظيف لأشخاص اعتبروا أنفسهم عاطلين، لكنهم فى واقع الأمر غير عاطلين بتعريف منظمة العمل الدولية، والتى عرفت العاطل بأنه الشخص القادر والراغب ويبحث عن عمل ولا يجد، أما الشخص الذي يحمل مؤهل ويعمل فى غير تخصصه ليس بعاطل". أما الخطأ الثاني، والكلام لأبو علي، فهو قيام تلك الوزارة بمنح علاوات بدون مناسبة، وزيادة تطلعات الناس لمزيد من الدخول بغض النظر عن أنها تستحق أو لا تستحق، والمفروض أنها كانت تحث الناس على تقدير الظروف التي تمر بها البلاد وتهدد الإنتاج، لكن بقرارها زاد عجز الموازنة". وأكد "أبو علي"، أن الوزارة الثانية لم تفعل أي شيء ولم تتخذ أي قرار، فى حين أن الظروف كانت تقتضي فعل أشياء كثيرة، قائلا "وفسرت الوزارة ذلك بأن الحكومة تحمل لقب "حكومة انتقالية أو تسيير أعمال"، بالإضافة إلى أن السلطة فى يد العسكر والناس متعجلة". وحول أداء الوزارة الحالية، قال "أبو علي" إن الحكومة الحالية بوزارة ماليتها تسعى نحو تخفيض العجز من خلال ترشيد النفقات وفرض الضرائب التصاعدية ، مضيفا "لكن النقد الذي يوجه إلى تلك الوزارة هو تأجيل تطبيق قانون الضرائب العقارية فى الوقت الذي نحتاج فيه إلى موارد جديدة". ومن جانبها، أكدت الدكتورة ضحى عبد الحميد، أستاذ الإدارة والعلاقات الدولية بالجامعة الكندية، أن القرار الصائب الذي اتخذته وزراة المالية فى فترتها الأولى هو الحد الأدنى للأجور، مضيفة "لكن لم يستطع الدكتور سمير رضوان تنفيذه مع كم المتغيرات الحادثة لأنه أتى فى عهد الثورة"، كما أنه أعلن أنه سيتم تثبيت كل العاملين بشكل مؤقت ولم ينفذ ذلك. وأشارت إلى أن الدكتور حازم الببلاوي كان الوزير الثاني للمالية ونائبا لرئيس الوزراء، موضحة أن منصبه كنائب ل"الرئيس" حمله مسئوليات كانت تطغي على عمله كوزير للمالية ، مضيفة "وكان الدكتور ممتاز السعيد هو الذي يقوم بالدور الفعلي والرئيسي فى تلك الوزارة". وأضافت "ضحى" أن السعيد اتخذ قرارا جيدا وهو تأخير الضرائب العقارية والتأمينات حتى عام 2013 ، موضحة أنهما كانا من أخطاء حكومة نظيف وكان سيتم تنفيذهما فى يناير 2012. وتابعت:" كانت حكومة نظيف ستطبق نظام التأمينات ومد سن المعاش إلى 65 سنة، مع أن المفروض أنه يتم عمل معاش مبكر للعاملين من سن ال50 مع إعطائهم معاشا لائقا، لأن الهيكل الإداري للدوله كله من كبار السن ، والحكومة أوقفت التعيينات منذ عام 1996، فلا وجود حقيقي للشباب فى القطاع الحكومي"، مضيفة "كما أن الوزارة الحالية قامت بتطبيق الحد الأقصى للأجور، وتلك خطوة جيدة، لكن لا بد من مراجعة ووضع هيكل للأجور وكل درجة على حدة". وأشارت إلى أن تغيير الوزارات المتعاقبة فى أقل من عام كان من أجل إرضاء الشارع المصري ك"طفاية حريق" حتى يتم تهدئة الثائرين ، مضيفة "وزارة المالية من أصعب الوزارات لأنها تخدم على كل الوزارات الأخرى وتتحمل عبئا كبيرا، كما أنها تحتاج إلى نوع من الاستقرار لأنها تعتمد على وضع سياسات وخطة طويلة الأمد من أجل النهوض بالمستوى الاقتصادي وتحسن آداءها". أما الدكتور عبد المطلب عبد الحميد،عميد البحوث والدراسات بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، فقال إن أفضل قرار اتخذه "السعيد" هو ترشيد الإنفاق العام دون المساس بمحدودي الدخل، قائلا " جزء من هذا القرار هو التصرف فى الأشياء التى تم تكهينها فى الحكومة والتى تقدر ب 12 مليار جنيه ، بالإضافة الى الترشيد فى السيارات الحكومية والمياة والكهرباء، وكذلك تخفيض مكافآت الإدارة العليا فى الحكومة"، متابعا "بالإضافة إلى تطبيق الحد الأقصى للأجور". وأشار "عبد الحميد" إلى أن "الببلاوي" كان رجلا نظريا مفكرا، لكنه ليس عمليا، مضيفا "كان يكتب مقالات فقط، لكنه لم يتخذ قرارا ذا قيمة، ولم أجد له أي قرار مطلقا". وأضاف أن "رضوان" كان كثير التصريحات لكنه لم يفعل شيئا، موضحا "كان في يده كل شيء وكان من الممكن أن تكون الأمور حاسمة، لكنه كان منبثقا من سياسة النظام السابق ولم يفعل شيئا" ، متابعا "لكن من الممكن أن يحسب له الحد الأدنى للأجور" مضيفا "وكان من الممكن أن تخرج الموازنة بشكل أفضل مما هي عليه فى حال إذا كان قد أخذ قرارات جيدة بترشيد الإنفاق وفتح موارد جديدة ، لكن الأمور تفاقمت نتيجة سياساته، وقام بتعميق أزمة الثقة التى يعاني منها المواطن مع الحكومة". ومن جانبه، قال شريف دلاور،الخبير الاقتصادي، إن الوزارات المتتالية لم تدرك أن المطلوب هو تغيير النظام الإقتصادي ، وكل أملها إعادة النظام السابق، وهذا واضح فى عدم اتخاذ قرارات اقتصادية، مضيفا "ممتاز السعيد، يصعب تقييم آدائه فى ذلك الوقت لأن وزارته حديثة لم تتعد الأسابيع "، متابعا "أما القرار الجيد الذي اتخذه سمير رضوان هو الحد الأدنى للأجور، لكنه فى نفس الوقت ليس جوهر السياسة الاقتصادية"، ومشيرا إلى أن "الببلاوي" إتخذ قرار الحد الأقصى لكن لم يتم تنفيذه فى عهده، مؤكدا أن جوهر السياسة الاقتصادية لم يتم التعامل معها حتى الآن، ولم يتم إصلاح الهيكل الإداري في الدولة.