يبدو أن مخاوف بعض الأمريكيين، خصوصًا الليبراليين منهم، بدأت تتحقق ولم تمر على انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للبلاد بضعة أشهر. حدث جديد على الساحة الثقافية الأمريكية يتحقق على يد الرئيس اليميني، ليتم إيقاف أحد العروض المسرحية بتهمة أنها "تهدد بقتل الرئيس". كانت مسرحية "يوليوس قيصر" لوليم شكسبير التي كان يقدمها مؤخرًا المسرح العام في نيويورك قد أثارت جدلًا كبيرًا بعد أن اتهمها بعض المؤيدين لترامب بأنها تحرض على قتل الرئيس؛ وذلك لأن الممثل الذي يقوم بدور قيصر أشقر وسيم أبيض البشرة، يشبه الرئيس الأمريكي بشكل كبير. ليست هذه هي المشكلة، لكن المشكلة أن قيصر سيتعرض بطبيعة الحال للذبح، كما هو معروف في مسرحية شكسبير. نجل دونالد ترامب كان له رأي أيضًا حول المسرحية، حيث غرد الأحد 11 يونيو متسائلًا: "أتساءل بكم يتم تمويل هذا (الفن) من أموال دافعي الضرائب؟ سؤال جاد: متى أصبح الفن حديثًا سياسيًا وهل يغير ذلك شيئًا؟". "قيصر أصبح ثملًا بأناه، ثملًا بسلطته، ثملًا بالطموح والإيمان بأنه الوحيد الذي يجب أن يحكم هذا العالم". هكذا يقول جريج هنري الذي يقول بدور قيصر في العرض، حسب تصريحات نقلتها صحيفة "تليغراف" البريطانية، مضيفًا: "الفكرة بالنسبة لي كانت أن أحاول أن أجعلك ترى أن هذا من الممكن أن يكون ترامب". ويرى مدير المسرح أن "كل من يشاهد عرضنا يعرف أننا لا يمكن أن نكون مدافعين عن استخدام العنف ضد أي كان.. بل العكس، فإن أولئك الذين يحاولون الدفاع عن الديمقراطية بأساليب غير ديمقراطية يدفعون ثمنًا فظيعًا، ويتسببون في تدمير الجمهورية". فيما كشفت مسألة التمويل المادي عن أبعاد سياسية ربما لم تكن واضحة للعيان؛ فالعرض الذي يقدم بالمجان يحظى بتمويل مادي من صحيفة نيويورك تايمز، بالإضافة لشبكة قنوات CNN، وهما الوسيلتان الإعلاميتان اللتان اتخذتا موقفًا مناهضًا لترامب منذ إعلانه ترشحه، وحتى بعد فوزه. بدا إذن أن معركة التيار اليميني ليست مع المسرح أو مع أصحاب العرض، وإنما مع الممولين، لينشر موقع "دايلي كولر" التابع لليمين مقالًا عنوانه "نيويورك تايمز تمول تجسيدًا لاغتيال دونالد ترامب". هذا الهجوم على الممولين لم يؤثر في الوسيلتين الإعلاميتين الراعيتين، فيما أثر في غيرهما. فترد تايمز مدافعة عن موقفها من الاستمرار في تمويل العرض قائلة: "كمؤسسة تؤمن بحرية التعبير فيما يخص الفنون شأنها شأن الإعلام، فإننا ندعم حق المسرح العام في تحديد إنتاجهم كما يشاءون". في تغريدة له دعا الصحفي والإعلامي ذو الأصول الهندية فريد زكريا الذي يقدم أحد البرامج بقناة CNN، دعا الجمهور المقيم بنيويورك لحضور العرض، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة تجاهه وتجاه المحطة، انعكست في ردود معارضة من المتابعين المؤيدين للرئيس الأمريكي. الرعاة الآخرون يبدو أنه كانت لديهم حسابات أخرى، ليعلن ثلاثة من الرعاة توقفهم عن تمويل العرض. خطوط طيران "دلتا" أعلنت توقفها عن تمويل العرض بداعي أنه "تجاوز الحدود في معايير الذوق الجيد". فيما صرح "بنك أوف أمريكا" بأنه يتراجع عن تمويل العرض بأن قرر المسرح تقديم عرض مسيء، مضيفًا أنه: "لو كانت هذه النية معلومة لنا لقررنا ألا نمول هذا العمل". فيما أعلنت شركة "أمريكان إكسبريس" أن تمويلها للمسرح لا يتضمن تمويلًا للعرض نفسه. هذه القرارات التي بدت مفاجئة رأى البعض أنها ترجع لأسباب مالية بحتة، فالترسانة الرأسمالية التي يديرها الرئيس الأمريكي، مدعومة بالحزب الجمهوري وبأنصاره اليمينيين، هذه الترسانة كفيلة بأن تكون أداة ضغط قوية على هذه الشركات. الأمر لم يتوقف عند حدود التمويل؛ حيث اقتحمت سيدة، الجمعة الماضي، المسرح الذي يشهد تقديم العرض، وذلك عقب مشهد الذبح مباشرة، وصرخت السيدة فيهم أن يكفوا عن "تطبيع العنف السياسي تجاه اليمين، هذا عنف تجاه دونالد ترامب". هذه السيدة، حسبما تذكر نيويورك تايمز، قام بتصويرها أحد الحضور الذي صرخ فيها "كلكم جوبلز" في إشارة إلى جوزيف جوبلز وزير الدعاية في حكومة هتلر النازية. السيدة لومر، التي تبلغ من العمر 24 عامًا تم إيقافها من قبل الشرطة الأمريكية، ولكن كان ذلك بعد أن تسببت في إيقاف العرض لدقيقة كاملة قضتها في صراخ هستيري مطالبة بإيقاف العرض. يبدو الهجوم على العرض، ومحاولة إيقافه بهكذا طرق وسيلة تليق بدول العالم الثالث التي لا تخجل من هذه الحيل، أما أن يخرج من الولاياتالمتحدة التي تصدر نفسها للعالم بصفتها المقاتل الأول من أجل الديمقراطية، فالأمر يدعو للعجب، يبدو أن وصول التيار اليميني للحكم قد يغير بديهيات كثيرة، فيما يثير ذلك شكوكًا حول إمكانية لعب التيار اليميني على وتر المال لعزل أي عمل مناهض له من خلال القضاء على تمويله. الاعتداء على مسرحية معارضة لترامب صورة أرشيفية الاعتداء على مسرحية معارضة لترامب صورة أرشيفية