حاصرتهم الديون من كل جانب، بعدما أحرقت النيران مورد رزقهم الوحيد، والتهمت في طريقها آمالهم في سداد التزاماتهم نحو عائلاتهم ونحو أعمالهم؛ هذا هو حال أصحاب المحال والأكشاك المحترقة في سوق إمبابة، وخاصة وسط معاناتهم في إعادة تشغيل تلك المحال مرة أخري في موسم عملهم. انتقلت "بوابة الأهرام" إلي سوق المنيرة الشرقية بإمبابة، لتلتقي أصحاب المحلات التي التهمتها النيران، نتيجة اشتعال كابل الكهرباء الرئيسي الذي يغذي تلك المنطقة، مخلفًا كارثة إنسانية يعانيها هؤلاء الذين فقدوا مصادر عيشهم، خاصة وسط معاناتهم في افتتاح تلك المحال والأكشاك مرة أخري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. "كل أمنيتنا إننا نفتح محلاتنا تاني، عشان بيوتنا اتخربت" هكذا بدأ هريدي لطفي، صاحب محل ملابس في السوق المحترق، ويقول، إنه وباقي أصحاب المحلات، يعانون الأمرين لفتح محلاتهم مرة أخري، وسط الصعوبات التي يلاقونها من مسئولي المحافظة، وخاصة في إعادة توصيل الكهرباء مرة أخري للمنطقة. يضيف "هريدي": إن هذه الأيام المباركة قبيل الأعياد تمثل موسم عملهم، وهي التي يعتمدون عليها في سداد التزاماتهم السنوية مع التجار الذين يتعاملون معهم، فكل أصحاب المحلات المحترقة يتعاملون بالدين مع الموردين، ويوقعون علي شيكات مقابل تلك البضائع، علي أن يسددوا المبالغ المستحقة عليهم عقب انتهاء الموسم، ما يعني أنهم تعرضوا لكارثة حقيقية لا يستطيعون مجابهتها. يتابع صاحب محل الملابس، أن الحريق التهم 37 باكيه "محلات صغيرة" و13 محلًا و4 شقق، وحوالي 100 فرش، بخسائر تصل في جملتها إلي حوالي 50 مليون جنيه، أكثرها هي ديون مستحقة الدفع لدي الموردين، ورغم ذلك فوجئوا بالإعلان عن تعويضات هزيلة، لا تثمن ولا تغني، وحتي الآن لم يتم صرف أيًّا منها لمساعدة أصحاب المحلات علي إعادة بنائها. يوضح محمد حسن، صاحب محل أدوات تجميل، وصاحب كابينة محترقة، إنه استدان من أقاربه لإعادة بناء محله، وحتي الآن أنفق ما يقارب 15 ألف جنيه، ومازال يحتاج الكثير من المال، في ذات الوقت قررت المحافظة صرف تعويض 10 آلاف جنيه لأمثاله، ما يعني أنها لن تكفي لأي شئ، مضيفًا، أنه خسر بضاعة تتجاوز قيمتها 100 ألف جنيه، لا يملك منها شيئًا وواجبة السداد عقب العيد. ويتابع "حسن" أنه برغم معاناته التي تهدد كل حياته من جراء الحادث، فإن أصحاب "الفروشات" من الباعة الجائلين لم يتقرر صرف تعويضات لهم، ومعظمهم من خارج القاهرة، يتركون بلادهم وأسرهم بحثًا عن لقمة العيش، وكلهم خسروا كل ما يملكون في ذلك الحريق، وأصبحوا بلا مأوي ولا مصدر رزق لهم ولأسرهم. ويقول جمال عبدالسلام، صاحب "باكيه" لبيع الملابس، إن مشكلة أصحاب المحال المحروقة تتلخص الآن في توصيل الكهرباء مرة أخري، فبعد الحادث فوجئوا بأن مسئولي المحافظة يطالبونهم بتوصيل الكهرباء علي نفقتهم الخاصة، مع مراعاة أن صندوق الكهرباء العمومي يتكلف تقريبا أكثر من 60 ألف جنيه، ويتساءل: "نجيب الفلوس دي منين.. مش كفاية المصيبة اللي إحنا فيها". ويتابع "عبدالسلام": "الحريق حصل أساسا نتيجة تقصير العاملين في شركة الكهرباء، ومع ذلك عايزنا إحنا ندفع التمن". ويضيف، أنه قبل الحادث ب10 أيام اندلع حريق صغير، نتيجة ماس كهربائي في أحد المحال، وبعد تحرير محضر في نقطة الشرطة، حضر العاملون ب"الكهرباء" لتصليح العطل، وأوضحوا لأحد العاملين في المحال أن الكابل العمومي به الكثير من الأعطال، وعندما طالبهم بإصلاحه تهربوا منه بحجة أنه يحتاج لوقت طويل، وحتي بعد احتراق السوق، لجأت شركة الكهرباء إلي إصلاح الكابل، بدلا من تغييره عن طريق اقتطاع الأجزاء المعطلة والمحترقة ولصق غيرها سليمة، لكن اعترض العاملون في السوق علي ذلك، وإمعانًا في الإهمال، تركوا عمود إنارة آيل للسقوط وسط السوق الذي يعج بالمارة، ما يمكن أن يتسبب في مقتل أي من الموجودين في السوق في حال سقوطه. فيما يرجو محمد عبدالهادي، أحد سكان المنطقة، مسئولي محافظة الجيزة، وعلي رأسهم المحافظ، النظر بعين الرحمة إلي آلام، ومشكلات المتضررين من الحريق، فهم فقدوا كل ما يملكون، لكن ما يلاقونه حقيقة يعبر عن مدي تجاهل المسئولين. ويتابع: "المحافظ يوم الحريق والدنيا مولعة والناس في عز المصيبة، أول ما وصل بيقول (المفروض السوق ده يتشال)" . وتساءل: "طب والناس هتحس إنك معاهم إزاي بعد الكلمتين دول؟!". ويضيف "عبدالهادي" أن كل المحال في السوق تدفع أية مبالغ يطلبها منهم مسئولو الحي، من رسوم تراخيص ومخالفات وضرائب وغيرها، لكنهم في المقابل لا يجدون أية خدمات بالمقابل، وكان أولي بمسئولي المحافظة توفير صنبور مخصص للحرائق بالسوق، ومساعدة الأهالي علي تفادي تلك الأزمات، وحتي بعد وقوع الكارثة، يواجه المضررين صعوبات في استعادة موارد رزقهم. وينهي "عبدالهادي" قائلًا: "الناس بعد الحريق بيصرفوا من لحم الحي، ومعظمهم مهدد بالحبس بالشيكات اللي كاتبينها علي نفسهم، ولازم المسئولين يقفوا جنبهم لتجاوز الأزمة دي".