كان علينا أن نمر بعدد هائل من الحواجز الأمنية، لتفتيشنا تفتيشًا دقيقًا وربما مبالغ فيه، قبل مقابلة الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد فى مقر الرئاسة بالعاصمة الصومالية مقديشو. بعض هذه الحواجز كانت تحت إشراف الأمن الصومالي، أما العدد الأكبر منها فقد أشرف عليه جنود أوغنديون تابعون لقوات الاتحاد الإفريقي العاملة فى الصومال، وعندما دخلنا على الرئيس شيخ شريف أقبل ليسلم علينا، وكان قد وجه مكتبه بأن يكون لقاؤنا هو بداية برنامجه اليومي. ورغم ذلك، كلفتنا مقابلته البقاء طويلا في الصومال، بعدما أقلعت الطائرة قبل وصولنا إلى مطار مقديشو متأخرين، بسبب الحوار الذى طال عن المدة المحددة له. وقد وجدنا شيخ شريف، الذي لم يبلغ الخمسين من عمره، مثل بلده تماما متأثرا بكل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التى تؤثر بالصومال وتكاد تعصف به.. وجدناه عاتبا على العرب وفي نفس الوقت مؤملا فيهم.. يدرك الأدوار والأجندات الأجنبية، لكنه يحاول أن يتفاداها ويحقق المصالح الممكنة منها، ربما أخطر ما يواجهه شيخ شريف هو الأخطار الداخلية، وفي مقدمتها الانقسامات الداخلية، وحركة شباب المجاهدين التى يرى أن نهايتها قد اقتربت. ويرى شيخ شريف أن الأزمة الأخيرة بسبب المجاعة والجفاف هى الأسوأ منذ خمسين عاما، وأن الصومال يمر بلحظة فارقة ويناشد أشقاءه العرب أن ينتهزوا هذه الفرصة ليكونوا بقرب الشعب الصومالي.. وإلى نص الحوار: * كيف تقيمون الأزمة الإنسانية فى الصومال الناجمة عن المجاعة والحرب، وإلى أين وصلت معالجاتها الآن؟. - الأزمة الأخيرة هى الأسوأ منذ خمسين عاما، كما أنها الأسوأ منذ نشوب المشكلة الصومالية، التى استمرت فترة طويلة، والأزمة الأخيرة تأثرت أيضا بالحرب الأهلية الطويلة في السنوات التى مضت ولم يكن بها إنتاج زراعي أو حيواني، وتضررت بها جميع مناحي الحياة والمؤسسات الاقتصادية في بلادنا. * هل المساعدات التى وصلت إلى الصومال كانت كافية، خصوصا من الدول العربية والإسلامية؟. - المساعدات كانت كافية وجاءت فى وقت مناسب. * هل تكفي عمليات الإغاثة وحدها لنقل الصومال إلى وضع أفضل.. أم أن الأمر سيظل بحاجة إلى دعم حل سياسي للقضاء على تلك الأزمات المتتالية؟. - ليس هناك أزمة سياسية فى الصومال، وإنما لدينا أزمة إنسانية تتزامن مع أزمة أمنية، فمشكلة شباب المجاهدين الذين تدعمهم القاعدة هى مشكلة تشترك فيها مع دول أخرى، والأزمتان الإنسانية والأمنية مترابطتان. * هل ترون أن الجيش الصومالي قادر على الحفاظ على انتصاراته، التى حققها على شباب المجاهدين في ضوء ما حققتموه من طردهم من العاصمة فى الفترة الأخيرة.. أم تعود المعركة مجددا إلى الكر والفر؟. - لن يحدث ذلك.. فالجيش الصومالي سيستمر بإذن الله فى تحقيق انتصاراته وتقدمه ودحر شباب المجاهدين وبقية المجموعات المتطرفة، وسيتم القضاء على كل هذه الجماعات قريبا. * هل ستظلون فى حالة دفاع عن العاصمة مقديشو أم تهاجمون شباب المجاهدين فى معاقلهم خارج العاصمة بجنوب الصومال؟. - تنبع المشكلة من صغار السن، الذين تم التغرير بهم من قبل هؤلاء المتطرفين، والآن نريد أن نعطيهم الفرصة لإعادة النظر في مواقفهم، لكن العمليات ضد شباب المجاهدين ستستمر إن شاء الله. * هل كان لعملكم في وسط من تصفهم ب"المغرر بهم" من الشباب مردود إيجابي؟. - نعم .. هناك مجموعات صغيرة استسلمت ويتم الحوار معها الآن، وثمة محاولة لإعادة تأهيلهم من جديد، وأعتقد أن هذا الحوار ينقذ الكثير من أرواح الصوماليين. * ماذا تتوقعون من د. نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية، الذي سيزور مقديشو الشهر المقبل، في أول زيارة من نوعها لمسئول عربي كبير إلى العاصمة الصومالية؟. - ما نأمله أن تكون الدول العربية على مستوى المسئولية تجاه ما يدور في الصومال، وقد لمسنا تغييرا فى أداء الجامعة العربية فى الفترة الأخيرة، علما بأن هذا الدور لم يغب عنا، لكنه لم يكن كافيا، وأعتقد أن المرحلة الحالية في الصومال تستوجب وجودا عربيا قويا فى البلاد. * هل العيب في الجامعة أم فى الدول العربية ذاتها؟. - أعتقد أن هناك دولا عربية لم تكن متحمسة لحل الأزمة الصومالية خلال الفترة الماضية، فيما كانت هناك مساعدات من دول عربية أخرى ترغب فى عون الصومال، لكن تدخلها لم يكن كافيا، والصومال يستحق أن يقف أشقاؤه معه لتعويض غيابهم فى السابق. * هذا يدفعنا لسؤالكم عن الرسالة، التى توجهونها اليوم إلى الحكومات والمنظمات والشعوب العربية؟.. وهل هناك أمل فى تدخلهم اليوم لمساعدتكم فى الخروج من أزماتكم؟. - نعم.. فإن الصومال اليوم يعيش لحطة تاريخية فارقة، وأعتقد أن هذه فرصة ثمينة جدا، وعلى إخواننا العرب أن ينتهزوها، وأن يكونوا بالقرب من الشعب والحكومة الصومالية، ونحن نتوجه بالشكر إلى جميع الحكومات والشعوب العربية، التى وقفت إلى جانب الشعب الصومالي طوال سنوات محنته، علما بأن المساعدات التى قدمت من قبل بعض الدول العربية فى الأشهر الأخير، كان لها تأثير بالغ الأهمية على تحسن الوضع فى الصومال. وأعتقد أن هذه مرحلة مهمة جدا للشعب الصومالي، وكان من المفترض أن يكون للدول العربية والجامعة العربية دور فاعل فى حل أزمة الصومال، ولا يجب أن نضيع الفرصة الحالية لإخراج الصومال من أزماته. * سبق أن صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش دولة الصومال بأنها "دولة فاشلة".. فهل بإمكانكم الآن تجاوز هذا التنصيف والمرحلة العصيبة؟. - لقد تجاوز الصومال الآن هذه المرحلة، ونعمل على أن تدخل مرحلة جديدة، وهى مرحلة مهمة جدا. * ستنتهي فترة رئاستكم في سبتمبر المقبل بعد ثلاث سنوات من الحكم.. فكيف تقيمون الفترة السابقة، وهل ترغب فى ترشيح نفسك مجددا للرئاسة؟ - نحن تجاوزنا المرحلة الأصعب فى الفترة الماضية، وهى مرحلة تحرير البلاد من القاعدة وشباب المجاهدين والفئات المتطرفة، وسندخل الآن فى مرحلة البناء والتعمير، وأعتقد أن الذي مارس السلطة فى ظل الفترة الماضية بكل صعوباتها سيكون في رأيي أفضل من أي شخص آخر جديد لا يعرف من أين يبدأ، ولذا أتوقع أن نستمر فى الفترة المقبلة في الحكم. * ما هو السند الذي تستند إليه ويؤهلكم لقيادة الصومال في المرحلة المقبلة للمرة الثانية؟. - ما تم إنجازه حتى الآن فى الصومال كبير، وبالنسبة للعاصمة الصومالية، فهذه هى المرة الثانية التى قمنا بها بتحرير مقديشو، حيث كانت المرة الأولى فى العام 2006، حينما كنت أتولي مسئولية "اتحاد المحاكم الإسلامية"، حيث تم تحريرها من أمراء الحرب، والمرة الثانية حينما حررنا مقديشو مؤخرا من القاعدة وشباب المجاهدين، والشعب الصومالي يقدر تماما كل هذه الجهود، وهذا يعطينا فرصة للاستمرار فى المرحلة المقبلة. * وماذا بشأن المصالحة التى طرحتموها فى المؤتمر الذي عقد مؤخرا فى مقديشو؟. - المصالحة ستستمر فى الصومال، لكن ذلك يستغرق وقتا لأن ما حدث فى البلاد لم يكن هينا، وإنما كان له تأثيرات سلبية هائلة على مختلف مناحي الحياة وعلى البنية التحتية للمجتمع الصومالي، ولذا فسوف تستمر المصالحة بإذن الله، والشعب الصومالي مقبل على الوحدة والسلام وتقوية مؤسسات الدولة. * هل ترى أن الخلافات انتهت داخل الحكومة.. وماذا بشأن الخلاف بينكم وبين رئيس البرلمان؟. - ليس هناك أي خلافات. * إذا.. كيف تردون على من يتهمون حكومتكم بالضعف؟. - القوة لله سبحانه وتعالي والكمال لله وحده، وكل دولة ترى أنها قوية لديها نقاط ضعف، وأعتقد أن التقييم الصحيح يجب أن يأخذ فى الاعتبار من أين بدأنا وكيف استطعنا أن نحقق هذه الإنجازات، ومن يفعل هذا سيرى أن هناك تقدما، ولا شك أن هناك ظلما فى مثل هذه الاتهامات، التى توجه لنا دون مراعاة الظروف الموضوعية التى تحيط بنا. * هناك حديث كبير فى أوساط الصوماليين عن أجندات خارجية تنشط ضد مصلحة الصومال واستقراره.. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟. - هناك أجندات خارجية فى كل دول العالم، والمهم هو كيف تتعامل الدول مع هذه الأجندات وتحقق مصالحها، واستطعنا فى الفترة الماضية تجاوز الكثير من المرحلة الصعبة وستكون الفترة المقبلة أسهل إن شاء الله. * ما هى علاقتكم بدول الجوار مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا؟. - علاقاتنا جيدة بجيراننا وبقية الدول الإفريقية بصفة عامة، وليس هناك أي مشكلات. * هل ترى خطط الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كافية لإحلال السلام فى الصومال؟. - بالنسبة للاتحاد الإفريقي، كانت مواقفه جيدة وداعمة للحكومة ولخروج الصومال من محنته، ووجود قوات الاتحاد الإفريقي كان داعما أساسيا للحكومة والشعب الصومالي، وكذلك الحال بالنسبة للأمم المتحدة، فكان موقفها جيدا، لكن برنامجها الذي كان ينبغي تنفيذه فى الصومال لم يكن على المستوى المطلوب. * هل ستظل الصومال تعتمد على عمليات الإغاثة الدولية والعربية.. أم ستكون هناك خطة إستراتيجية لإعادة تأهيل الحياة للشعب الصومالي؟. - لقد وضعنا خطة إستراتيجية طموحة، لكن لا يمكن تنفيذها الآن، سنبدأ الإعداد لتنفيذها بعد أن نفرغ من الإغاثة العاجلة ليتوالى العمل فيها خلال السنوات المقبلة. * هل يمكن حل مشكلة انعدام الأمن، التى تمثل هاجسا بالنسبة لكثيرين إذا ما ذكر اسم الصومال؟. - كل المشاكل الموجودة الآن، حتى المتعلق منها بالظروف الأمنية والإنسانية يمكن معالجتها بدعم الدول العربية، وسيكون هناك دور تاريخي ومشرف للدول العربية إذا تم التخطيط جيدا لمساعدة الصومال وإخراجه من هذه الأزمة. * هل أنت متفائل بمستقبل الصومال بعد عقدين من الحروب؟. - نعم أتفاءل بالمستقبل خاصة بعدما تخطينا الكثير من المشكلات، وسنعمل من أجل أن نحول الأمال إلى حقائق على أرض الواقع. * كيف تقرأون الحالة السياسية فى مصر بعد الثورة؟. - مصر تمر في الوقت الراهن بمرحلة مهمة جدا تستلزم أن تكون مؤسساتها فاعلة وتخدم المجتمع المصري بطريقة جيدة، والأهم ألا يترك الأخوة فى مصر الفوضى تسود فى البلاد. * وما الدور الذي تنتظرونه من مصر بعد الثورة؟. - أعتقد أن مصر بعد الثورة ستستشعر المسئولية الملقاة على عاتقها سواء كانت فى الجانب الإفريقي أو في الجانب العربي والدولي، كذلك بصورة جيدة ومناسبة. * هل تتأثر العلاقات المصرية– الصومالية باستمرار إغلاق السفارة المصرية فى مقديشو ووجودها فى نيروبي؟. - لا، خصوصا أننا نقدر الظروف السياسية لمصر الآن.