لا يدعي كتاب "انتفاضات وثورات" الصادر مؤخراً عن مركز الدراسات التاريخية لدار الشروق للكاتب "محمد حافظ دياب" أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة بنها، أنه لايدعي تأريخاً شاملاً للحركات الاحتجاجية والوطنية المصرية إلا أنه يقدم لنا ثمان حلقات منتقاة من تاريخ النضال المصري تبدأ بانتفاضتي القاهرة الأولي والثانية وانتفاضة الصعيد ضد الحملة الفرنسية علي مصر وملحمة رشيد والثورة العرابية وثورة 19 وانتفاضة الطلبة عام 1935 وانتفاضة الطلبة والعمال عام 1946 التي شهدت حادثة كوبري عباس وثورة 23 يوليو وهبة الجياع عام 1977. وهي حوادث دأب التقليد التاريخي المصري علي اختزالها الى حلقة ثلاثية تبدأ بثورة عرابي وتمر بثورة 1919 وتنتهي بثورة يوليو 1952. وهو اختزال مخل يهمل تنوع الحركة الوطنية، كما يجعل تفسير تلك الثورات/الانتفاضات الثلاث الكبار في تاريخنا عصيا ويكرس عن عمد أو دون عمد، لفكرة استكانة المصريين وخضوعهم عبر تاريخهم وهي فكرة استعمارية قديمة بأكثر من أي شيء آخر. ويصرح المؤلف بأن اختياره لتلك الحلقات الثمان كان انتقائياً، إلا أنه لا يقدم تبريراً لاختيارها، ويتعامل المؤلف مع أحداث تلك الثورات والهبات من وجهة نظر التاريخ الاجتماعي، فيتناول الظروف الاجتماعية والسياسية التي أدت إلي تفجير الأوضاع بما يسمح بقيام تلك الأحداث، فالكتاب لا يعد كتابا تاريخيا عاديا يسجل الأحداث ولكنه يتناول أبعادها الاجتماعية بشكل رئيسي ضمن تحليله لتلك الحلقات وإن ظل التحليل الاجتماعي علي مستوي أولي لم يتناول الأبعاد العميقة لتلك الأحداث ويشرح الكيفية التي تغيرت بها البني الاجتماعية والسياسية بفعل تلك الثورات والانتفاضات وإن كان يستخدم معرفة واسعة بالمقولات التحليلية لأشهر المفكرين الغربيين في قراءة الأحداث. وكمثال علي التحليل الاجتماعي يمكن المرور علي تناوله لانتفاضتي القاهرة الأولي والثانية والتي تعرفان بنوع من المبالغة في الأدبيات التاريخية بأنهما ثورتا القاهرة الأولي والثانية، فيبدأ الكاتب تحليله من إشكالية النهضة وتناول الوضع الاجتماعي والسياسي القائم قبل مجئ الحملة الفرنسية ومناقشة مدي مساهمة الحملة في إشكالية النهضة المصرية، ويتناول دور الفلاحين والتجار والعلماء في مقاومة الإحتلال الفرنسي وأثره علي المجتمع. ولعل واحدة من أبرز النقاط التي ترتبط بواقع الربيع العربي هي تناوله للمدي البشع الذي وصل إليه الفرنسيون في قمع الاحتجاجات المصرية والتي وصلت إلي حد الإبادة بإحراق أحياء كاملة وقتل وتقطيع أوصال المقاومين بما أفزع المؤرخين الفرنسيين أنفسهم الذين رافقوا الحملة وهو مالم يؤثر في المقاومين المصريين وزادهم إصراراً علي المقاومة. ويتناول الكاتب أحداث هبة الجياع 1977 والتي قامت ضد قرارت 17 يناير 1977 وفي مقدمتها إلغاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية وزيادة أسعار حوالي 25 سلعة وزيادة رسوم الجمارك والإنتاج والإستهلاك ورفع سعر الدولار من 40 إلي 70 قرشاً ما يعني تخفيض قيمة الجنيه بما يوازي 75% وأدت إلي اضطرابات واسعة ومظاهرات عارمة اجتاحت البلاد وشابتها أعمال عنف عجز معها الأمن المركزي الذي استخدم الذخيرة الحية وقتل 79 شخصًا وأصاب 214 عن الصمود، مما أدي إلي نزول الجيش لأول مرة من ثكناته بعد ثورة يوليو لضبط الأمن، وقبض علي 1000 شخص قدم منهم 176 للمحاكمة ولكن اللافت كان قرار المحكمة بتبرئة ساحتهم وهو القرار الذي لم يصدق عليه السادات حتي وفاته ويقول النص " إن المحكمة خلصت إلي أن أحداث 18 و19 يناير كانت نتيجة مباشرة لقرارات رفع الأسعار وحدثت بصورة تلقائية ودون تحريض أو استغلال للموقف ولم تتضمن التحقيقات ما يشير إلي استخدام السلاح أو التدريب علي أعمال عنف تهدد سلامة النظام الاجتماعي واستقراره وسلامة النظام الجمهوري".