على حدود منطقة المرج ينعقد أحد أهم أسواق القاهرة، سوق اكتسب اسمه من موعد انعقاده، وأهميته من تنوع البضائع " في سوق التلات كل شيء موجود من الإبرة للصاروخ"، يقول أحد الباعة، ويلبي نداءه آلاف المشترين، الباحثين عن البضائع الرخيصة، "ولا استغلال المحلات"، كما يؤكد بائع آخر. ومنذ فترة ليست بقصيرة، تغيرت ملامح سوق الثلاثاء، المعروف ب "سوق التلات" وفق اللغة العامية، وازدادت أعداد الباعة، حتى أن أعدادهم وحدها كانت كفيلة بادزحام السوق، وهو ما يفسره أهل السوق بأن بعض أصحاب المحلات، استغل ضعف الإقبال على الشراء بعد الثورة، وحاول تخفيض أجور العاملين، فما كان من أغلبهم إلا أن فضل ترك العمل، والبحث عن رزقه في السوق. وقف أحمد عبادة، شاب في منتصف العشرينيات، أمام "فرشته" المرصوص عليها بعناية، كئوس من زجاج رخيص بكافة الأحجام، وبعض أواني المطبخ، من سكاكين وملاعق وشوك وصواني ومصافي وغيرها. ويحكي عبادة رحلة وصوله إلى سوق الثلاثاء، قائلا "كنت باشتغل في محل ملابس في روكسي، وكان مرتبي 500 جنيه غير الإكرامية من الزبائن، وكان ممكن أوصل آخر الشهر ل 900 جنيه ، أو 1000 جنيه، وطبعا المبلغ مش كبير لأن الأسعار كل يوم بتغلى، لكن الحمد لله كانت حاجة تمشي الحال، وبعد ثورة 25 يناير، الوضع بقى صعب جدا، الشغل بقى قليل، لدرجة إن كان بتعدي علينا أسابيع ومفيش زبون واحد بيدخل المحل، فصاحب المحل قرر تخفيض أجور العمال، متحججا بضعف الإقبال، وكثرة الالتزامات مثل ثمن البضاعة وإيجار المحل، وحاجات كتير". وبغضب شديد، يقول "عبادة": " كنا 3 عمال، وحاولنا إقناع صاحب المحل بأن أجورنا ضعيفة أصلا لا تحتمل أي نقص، وأن الوضع مؤقت، ومكاسب المحل قبل الأزمة يمكنها أن تسنده حتى يعبرها، إلا أنه رفض، وقال: "اللي مش عاجبه يتفضل"، فقررت وزميل لي ترك المحل". ويتابع عباده "عرفت إن 8 عمال آخرين تركوا محلاتهم بنفس الطريقة، وبدأوا يجيبوا بضاعة ويبيعوها لحاسبهم، فبدأت أدرس الفكرة، وفعلا قررت أعمل شغل خاص، كان معايا قرشين محوشهم، اشتريت البضاعة دي وقعدت في الشارع أبيع، واشتغلت في روكسي برضه، لكن الشرطة كانت كل يوم والتاني تيجي تصادر البضاعة وترمينا في الحجز، لحد ما سريح جنبي قال لي على سوق الثلاثاء، وإنه شغال ناحية المرج، وهو يعرف كبار السوق وقال إنهم ممكن يسمحوا لي أبيع هناك، وفعلا بدأت أشتغل هنا يوم الثلاثاء، وبأرجع روكسي باقي الأسبوع". وأكمل عباده قائلا "طبعا كان لي دخل ثابت من المحل غير الإكرامية، لكن لما الواحد بيبقى سريح مش ضامن دخله، ممكن يوم يحصل له مبلغ وعشرة لأ، وفكرة إني أفتح محل لسه قدامها وقت طويل لما ربنا يكرمني، وفيه هنا تجار كبار، ومفيش حد بيشتغل من غير موافقتهم، والحمد لله وافقوا إن أبيع هنا، والشغل هنا ماشي كويس، فيه بنات بتيجي تشتري حاجات مطبخ لجهازها، وإللى بأكسبه من السوق في يوم، بيساوي إللى بأكسبه من روكسي في 3 أيام ، فالحمد لله الوضع أحسن". وعلى مقربة منه ، وقف صفوت وحسام، شابين في بداية العشرينيات، عارضين بضاعتهم "ملابس حريمي"، نادى حسام على بضاعته لإغراء الزبائن بالشراء "أي قطعة ب 7 جنيهات ونص، بلوزة، برمودا، بادي، كل الألوان، كل المقاسات ب 7.50". حكى صفوت وحسام حكايتهما، قائلين "حسام كان بيشتغل في محل ملابس، وأنا كنت بدور على شغل، وصاحب الشغل بتاع حسام طرده"، تابع "صفوت" وهو يعيد ترتيب بضاعته "انضم لي حسام في رحلة البحث عن عمل ودورنا كثير، وكل مكان يقولوا لنا إنتوا مش شايفين أحوال البلد، مفيش شغل، قعدنا ندور على شغل حوالي شهر ومفيش أي شغل في البلد". أضاف صفوت "أنا أساسا ساكن هنا في آخر الشارع، وقلت ممكن نشتغل في السوق، وعرضت على حسام إنه يآخد بضاعة من صاحب المحل إللى كان بيشتغل فيه ونسدد له الفلوس بعد كده، وفعلا الراجل وافق، وكتب على حسام وصل أمانة ب 5 آلاف جنيه، رغم إن البضاعة متحصلش 3 آلاف جنيه، وفرشنا في السوق يوم الثلاثاء وبدأنا نبيع، وبعد السوق ما يتفض بنطلع قدام عند محطة المرج نفرش ونبيع باقي الأسبوع، والحمد لله الحال مشي، رغم إن كل البياعين القدامى بيقولوا إن السوق زبائنه قلت عن الأول بكتير، والبياعين بقى عددهم أكتر".