باتت ظاهرة غسل الأموال إحدى الظواهر التى تهدد الأمن والاستقرار الدولى،كما تؤثر فى نمو الجريمة المنظمة إذ تتزايد حركة تداول الأموال غير المشروعة وإعادة تدويرها فى مجالات وقنوات مشروعة،وقد زاد الاهتمام بهذه الأموال نظرا لما ينتج عنها من آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية وخيمة بسبب اتساع حجمها وصعوبة التصدى لها،وقد تطورت أساليب غسل الأموال فى السنوات الأخيرة مع التقدم التكنولوجى وتعدد الأماكن التى يجرى فيها عمليات الغسل،الذى أتاح تنوع وتعدد تلك الأساليب بحيث يصعب ملاحقتها ويؤدى إلى سهولة اندماجها فى الاقتصاديات القومية. ويمكن تعريف غسل الأموال بأنها العملية التى يتم عن طريقها محو المصدر الرئيسى الذى تنبع منه العمليات ذات النشاط الإجرامى وضخها بشكل مشروع داخل النظام المالى العالمى بحيث يصبح من الصعب التعرف على المصادر الأصلية لها،ومن ثم يمكن التصرف فيها واستثمارها فى مجالات مشروعة،إذ إن هذه الأموال يكون مصدرها فى الغالب من أموال المخدرات والتهرب الضريبى وأموال المافيا. وتمر مراحل الغسل بثلاث خطوات تتمثل الخطوة الأولى فى إيداع تلك الأموال فى بنوك ومراكز مخصصة لذلك،والخطوة الثانية هى مرحلة التمويه أو التغطية حيث يتم قطع الصلة بين النقود وأصلها الإجرامى عن طريق اللجوء إلى عمليات عبارة عن صفقات نقدية متتالية مثل تكرار التحويل من حساب بنكى لحساب بنكى آخر،والخطوة الثالثة تتمثل فى عملية الدمج حيث يعاد ضخ الأموال التى تم غسلها فى الاقتصاد مرة أخرى فى مشروعات واستثمارات شرعية لتكتسب مظهرا قانونيا بحيث يصعب الفصل بين المال من مصدر شرعى وآخر من مصدر غير شرعى. تتم هذه العمليات فيما يطلق عليه المناطق الجغرافية أو ما يسمى «الجنات المالية» أو «مراكز الأوفشور المالية» التى تتم فيها عمليات الغسل،ومنذ ظهور تلك العمليات تظهر باستمرار مناطق جديدة للبعد عن الأنظار والرقابة،و هناك مناطق تعتبر مسرحا لممارسة النشاط يمكن إجمالها فى أوروبا وسويسرا وموناكو بفرنسا وجبل طارق على حدود إسبانيا ولوكسمبورج وفى آسيا وسنغافورة وهونج كونج وتايوان ثم فى أمريكا والبحر الكاريبى وبرمودا وبنما وجزر الباهاما وجزر كايمان ،وهذه المناطق تتسم بسرية الحسابات البنكية مثلما فى القانون السويسرى حيث لا تظهر شخصية العميل مما يحقق الأمان لغاسلى الأموال،ولاختيار تلك الأماكن لابد أن يكون هناك ضمان تام لإخفاء شخصية العميل،كما يتم اختيار بلدان لا تفرض رقابة على النقد ولابد من التأكد من عدم ظهور شخصية العميل تحت أي سبب . وتتسم تلك الدول بتوافر وسائل الاتصال المتقدمة وامتلاك العديد من المؤسسات المصرفية التى لا تحقق فى شخصية المودع،كما تتميز بتشريعات مالية ومصرفية متساهلة حيث يتم إنشاء العديد من البنوك لتباشر تقديم الخدمات المالية والتحويلات المصرفية،وهى ما يطلق عليها «بنوك الأوفشور» للقيام بالعمليات المصرفية باسم الشركات الوهمية التى تتلقى الأموال ثم تعيد توظيفها داخل الأسواق المالية الدولية. كل ذلك يؤدى إلى عرقلة إجراءات تعقب وضبط مصادر الأموال غير المشروعة وتسلل تلك الأموال إلى الأسواق والاستخدام غير المشروع للنظم المالية والمصرفية بالإضافة إلى نشر الفساد ومحاولة التأثير على أجهزة العدالة الجنائية والمؤسسات الإعلامية. لذلك فإن مكافحة غسل الأموال من أهم القضايا على المستويين الدولى والإقليمى،ومن هنا لابد على المجتمع الدولى أن يعمل على اعتماد آلية وإرساء سياسة لمواجهة تلك الجريمة التى تتداخل مع جرائم أخرى كجرائم المخدرات والتهرب الضريبى والإرهاب الدولى وعلى الأشمل الجريمة المنظمة بكافة أوجهها.