هل هو النهب الثانى لإفريقيا؟..نتحدث عن لعبة الاستحواذ على الأراضى الزراعية فى إفريقيا ونقل ملكيتها من المزارعين الفقراء الى الشركات الاوروبية الأمر الذى اصبح يكرس بؤس الافارقة.وعلى الرغم من أن حكومات إفريقية ترى فيما يجرى نوعا من الانفتاح على حركة التجارة والاستثمار فى العالم لا يخلو من فوائد فإن وجها آخر للصورة يتبدى فى هذا التقرير. لم يكن الدافع من وراء استعمار القارة الإفريقية فى القرن الماضى السياسة الأوروبية وحسب وإنما كان من وراء ذلك مصالح اقتصادية حقيقية تبحث عن أسواق وموارد جديدة تلبى احتياجات الثورة الصناعية الأوروبية، أما فى القرن الحادى والعشرين فإن الأرض اصبحت هى الدافع الأكبر الذى يقود الموجة الثانية من التدافع على افريقيا فى الوقت الذى ترى فيه الدول الإفريقية أن تحرير التجارة وزيادة التكامل مع الاقتصاد العالمى قد يتحقق من خلال فتح أراضيها للاستغلال الاقتصادى. فى حين أن العديد من المزارعين الأفارقة ليس لديهم مايكفى من الأراضى لإطعام أسرهم، تم نقل الملايين من الهكتارات من الأراضى الزراعية الإفريقية الجيدة من المزارعين إلى الشركات فى السنوات القليلة الماضية، ولكن فى دراسة أصدرتها الشبكة الإفريقية الأوروبية للعدالة AEFJN أشارت إلى أن البنك الدولى هو اللاعب الرئيسى فى عمليات الاستحواذات على الأراضى الإفريقية فمنذ نهاية التسعينيات، كانت مجموعة من وكالات البنك الدولي، وعلى رأسها مؤسسة التمويل الدولية IFC، وفرع القطاع الخاص فى البنك الدولي، والخدمات الاستشارية للاستثمار الأجنبى FIAS تدعم عمليات الاستحواذ من خلال المساعدة التقنية والخدمات الاستشارية للحكومات الإفريقية بهدف تسهيل وصول المستثمرين إلى هذه البلدان. إضافة إلى صياغة مشاريع القوانين وتعزيز سياسات لتسهيل قدرة المستثمرين الأجانب لتملك الأراضى لأغراض الزراعة فى البلدان النامية. ومع حدوث الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، التى أدت إلى ارتفاع فى أسعار السلع الأساسية حيث ارتفع سعر الأرز بنسبة %217 والقمح بنسبة 136% والذرة بنسبة 125% وفقاً لإحصاءات البنك الدولي، هو ما جعل العديد من الدول المتقدمة تضع هدف الأمن الغذائى لها هدفا وطنيا، وهو ما شمل الدول الأوروبية ودول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، ودول شرق آسيا مثل الصينوكوريا الجنوبية. - تحوط ضد الأزمات إضافة إلى الشركات الأجنبية التى عملت على استغلال الأراضى التى استحوذت عليها لتعزيز وضعها فى أسواق الغذاء العالمية، كل هذا فى الوقت الذى تمتلك فيه إفريقيا وحدها 60% من الأراضى الصالحة للزراعة وغير المزروعة فى العالم - وفقا لبيانات البنك الدولى - لتصبح هى المنطقة الرئيسية للتحوط ضد الأزمات فى المستقبل. ويبقى المسعى المشترك للدول والشركات الأجنبية هو الرغبة فى تحقيق الأمن الغذائى فى ظل ارتفاع الطلب على الوقود الحيوى، وارتفاع تكاليف الأراضي، والمياه والطلب العالمى على المواد الغذائية والمحاصيل الأخرى، وهو ما جعلهم يحققون طفرة فى شراء الأراضى الزراعية الإفريقية لزراعة المحاصيل الغذائية وغيرها من المحاصيل بغرض التصدير. وفقاً للمعهد الدولى لبحوث الدراسات الزراعية فإن حكومات الدول الغنية والشركات العالمية اشترت حتى الآن أكثر من 20 مليون هكتار أى ما يعادل 47 مليون فدان من الأراضى الزراعية ببلدان العالم الثالث وهى المساحة التى تعادل ربع الأراضى الزراعية فى أوروبا. الاستحواذ والتنمية.. المعادلة الصعبة فى كتاب ليستر براون، مدير معهد سياسة الأرض بالولايات المتحدة “العالم على حافة الهاوية “ أشار إلى أن أول شحنة من الأرز المنتج على الأراضى الإثيوبية التى استحوذت عليها المملكة العربية السعودية خرجت فى الوقت الذى كان فيه برنامج الأغذية العالمى يقوم بإطعام 5 ملايين إثيوبي، وبالمثل فى جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث استحوذت الصين على 7 ملايين هكتار لإنتاج زيت النخيل، فى الوقت الذى يعتمد فيه الملايين على المساعدات الدولية للأغذية. تعتبر إثيوبيا هى الأكثر بيعا وتأجيرا لأراضيها تليها دولة السودان التى تعتبر من أكبر الحاصلين على المعونات الغذائية الدولية وفقا للبنك الدولى إضافة إلى أنها تعطى الأجنبى حق تصدير 70 ٪ من إنتاج الأرض التى يشتريها فى البلاد إلى الخارج، وتنضم أيضاً جمهورية الكونغو الديمقراطية، والكاميرون، وغينيا، وزامبيا، وكينيا، وتنزانيا، وموزمبيق، ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة “الفاو” فإن هناك 115 مليون فدان فى عشر دول، هى (إثيوبيا، غانا، مدغشقر، مالي، السودان، كينيا، تنزانيا، مالاوى، زامبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية)، تتصدر الصين تلك الاستثمارات بزراعة كل من الجاتروفا والذرة وأنواع الوقود الحيوى الأخرى فى بلدان مثل مدغشقر وموزمبيق وتنزانيا. ووفقا لقسم التكنولوجيا الحيوية النباتية بالمركز القومى للبحوث فإن نبات الجاتروفا يستخدم لاستصلاح الأراضى ولإنتاج الغذاء والصابون والمبيدات الحشرية، وهو مصدر بديل للطاقة التقليدية، حيث تحتوى البذرة على نسبة من الزيت تصل إلى 33-55 ٪ له قدرة عالية على الاحتراق ويمكن استخدامه مباشرة فى بعض أنواع المحركات كوقود حيوى، وبذلك تبقى له أهمية حيوية كبيرة. لذلك لم تتوان الصين فى الاستحواذ على الأراضى وبشكل غير مسبوق، ويجرى تنفيذ المشروع الأكبر والأكثر إثارة للجدل من قبل شركة Wanbao Africa AgricultureDevelopment Limited، وهى شركة صينية خاصة حصلت على امتياز 20 ألف هكتار من الأراضى الزراعية اعتبارا من عام 2014، وفق ما ذكرته دراسة لجامعة ييل بالولايات المتحدةالأمريكية عن الاستحواذات الصينية فى افريقيا. وإن كانت الصين غير الوحيدة فى ذلك، فما تبذله كوريا الجنوبية بعد تخصيصها وكالة لعقد الصفقات المباشرة مع المزارعين وملاك الأراضى لتأمين إمداداتها من المواد الغذائية، فقد عملت الشركة الكورية الجنوبية “دييو” على الاستيلاء على الأراضى منذ عام 2008 وبدأت من مدغشقر التى تمتلك 2.5 مليون فدان من الأراضى الصالحة للزراعة، وحصلت فعليا على 1.3 مليون فدان أى ما يقرب من نصف الأراضى القابلة للزراعة فى البلاد لزراعة الذرة والمواد الغذائية الأخرى بعقود إيجار لمدة 99 سنة فى مقابل استثمار 6 مليارات دولار فى البنية التحتية ووعود بفرص عمل جديدة، ولكن أدى فى النهاية وقتها إلى اضطرابات عنيفة أدت إلى الإطاحة بالرئيس وسيطرة المعارضة على السلطة. وغالبا ما يأخذ الاستثمار فى الأراضى الزراعية شكل عقود إيجار طويلة الأجل، بدلا من الشراء المباشر للأرض، وتتراوح هذه الإيجارات ما بين 25 و99 عاما. ويقدر المعهد الدولى لابحاث سياسات الغذاء ان هناك ما بين 15 الى 20 مليون هكتار من أراضى الدول الفقيرة اشترتها دول غنية أو تفاوضت لشرائها، ففى السودان وحده، اشترت كوريا الجنوبية 690 الف هكتار، 1.6 مليون فدان، والامارات 400 الف هكتار،950 الف فدان. وفى جمهورية الكونغو الديمقراطية، استحوذت الصين على مليون هكتار من الأراضى لإنتاج الوقود الحيوي، وزيت النخيل، من خلال دفع الاستثمارات فى البنية التحتية، وتشير التقديرات إلى أن المساحة الإجمالية لصفقات الأراضى قد تجاوزت 50 مليون هكتار، وتقيم أكبر مزرعة لزيت النخيل فى الكونغو بعدما حصلت على 2.8 مليون هكتار لاستخدام المحصول فى إنتاج الوقود الحيوى، وتتفاوض على 2 مليون هكتار فى زامبيا أيضا لذات الغرض وفقا لدراسة” الاستيلاء على الأراضي” للبنك الدولى ومنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”. وقدرت الدراسة التى أجراها المعهد الدولى للبيئة والتنمية، وهى مجموعة أبحاث مقرها فى المملكة المتحدة، أن ما يقرب من 2.5 هكتار مليون من الأراضى الزراعية الإفريقية قد خصص للكيانات المملوكة للأجانب بين عامى 2004 و9002 فى خمس دول فقط (إثيوبيا، غانا، مدغشقر، مالى، السودان)، وكان التقرير الذى قُدم لمنظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولى للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة أشار إلى أن حجم عقود الإيجار على الأراضى الزراعية الإفريقية يتزايد بشكل غير مسبوق. استثمار أم استعمار وفق وكالة إدارة الأراضى والاستثمار الزراعى الإثيوبية فقد تم تأجير أكثر من 2.43 مليون هكتار فى إثيوبيا لنحو 5700 شركة محلية وأجنبية بسعر 0.90 دولار للهكتار فى المتوسط، لكن ما تم تطويره لم يتجاوز نسبة 30% من الأراضى وهو ما يدق ناقوس الخطر لمستقبل الغذاء للسكان المحليين، يأتى هذا فى الوقت الذى خصصت فيه إثيوبيا إجمالا 3.6 ملايين هكتار أى ما يقترب من مساحة سويسرا للشركات التى ترغب فى الاستثمار الزراعي، وأن إحدى الشركات الدولية قد زرعت 1200 هكتار من إجمالى 100 ألف هكتار حصلت عليها منذ عام 2000. لذلك، أوقفت الحكومة الإثيوبية منذ مارس الماضى إصدار تراخيص جديدة لتأجير الأراضى بغرض الإنتاج الزراعى إلى حين أن تُجرى مراجعة تلك الاستحواذات بسبب ما نتج عنها من تردى التنمية فى المناطق التى تم التأجير فيها، وأنها لم تحقق المرجو منها من تعزيز الإنتاج، ودعم نقل التكنولوجيا، وزيادة الإيرادات بالعملة الصعبة من الصادرات، حيث أوضح برنامج الغذاء العالمى أن مستويات الفقر والحاجة الإنسانية فى إثيوبيا قد تضاعف منذ مطلع عام 2015 بسبب فشل الحصاد المتوالى، وأن البرنامج العالمى للغذاء قد أنفق 116 مليون دولار على شراء 230 ألف طن من المعونات الغذائية فيما بين الأعوام 2007 و2011 لنحو 4.6 مليون إثيوبى ممن يعانون من سوء التغذية. أشارت تقديرات تابعة لنطاق حيازة الأراضى للبنك الدولى أن ثلثى الأراضى التى تم الاستحواذ عليها تتركز فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأن 37٪ من المشروعات تعمل فى المحاصيل الغذائية، و21% مع المحاصيل النقدية، و21 ٪ مع الوقود الحيوى. وفى تقرير لمنظمة الاغذية والزراعة بعنوان “اتجاهات وتأثيرات الاستثمار الأجنبي فى الزراعة بالبلدان النامية” أوضح أن التأثيرات السلبية لتملك الأراضى الواسع النطاق لدى البلدان النامية أكثر من المنافع التى تعود على الدولة المضيفة، خصوصا على المدى القصير والمستويات المحلية، وتميل تلك الأراضى إلى أن تكون من بين أفضل النوعيات المتوافرة سواء قياسا على جودة التربة أو كفاءة الرى، لكن التقرير ذكر أنه “فى حالة الاستثمارات التى تتضمن امتلاكا واسع النطاق لدى البلدان التى تظل فيها حقوق الأراضى غير واضحة وغير آمنة، فغالبا ما تتجاوز المساوئ الفوائد القليلة بالنسبة للمجتمع المحلي، وللأسف هو ما يحدث فى المجتمعات الإفريقية. وحذر التقرير من أن الغالبية العظمى لمشروعات الاستثمار الأجنبى تستهدف أسواق التصدير أو إنتاج الوقود الحيوى، وعلى ذلك فهى تشكل تهديدا للأمن الغذائى لدى بلدان العجز الغذائى المحدودة الدخل بالأساس، خاصة إذا حلت محل المحاصيل الغذائية الأساسية للسوق المحلي، وتتضمن التأثيرات السلبية كذلك تشريد صغار المزارعين، وخسارة الأرض الصالحة للرعى، وخسارة الدخل وموارد المعيشة لسكان الريف، وتدهور الموارد الطبيعية مثل الأراضى والمياه. وأوضح التقرير أن النماذج التجارية التى تترك للمزارعين السيطرة على أراضيهم، وتحفزهم على الاستثمار فى تحسينات الأراضى وتحبذ اتجاه التنمية المستدامة أيضاً تعد هى الأكثر نجاحا فى الوقت الذى يحتاج فيه العالم إلى استثمار بمقدار يتجاوز 80 مليار دولار سنويا لمواكبة نمو الدخل والسكان، وتلبية احتياجات الغذاء لأكثر من 9 مليارات نسمة فى عام 2050. وتبعا لدراسة أصدرها معهد “أوكلاند” أن صفقات الأراضى فى افريقيا ستترك إفريقيا بدون ماء لأن التقديرات تشير إلى أن زيادة الاحتياجات من الغذاء لإطعام سكان العالم - تتجاوز 7 مليارات - سوف تفوق موارد المياه الحالية بنسبة 40% بحلول عام 2030. وفى تقرير “الفاو” أشار الخبير ديفيد هالام، مدير شعبة التجارة والأسواق لدى المنظمة إلى أن أى استثمار لابد أن يعود بالنفع على البلد المضيف وإلا فإنه قد يتحول إلى استعمار جديد.