فوجئت باعتراض حزبى الحرية والعدالة والنور السلفى على مشروع قانون الصكوك الإسلامية الذى أعدته وزارة المالية ووافق عليه مجلس الوزراء فى اجتماعه الأخير من حيث المبدأ. والواقع ان اعتراض الحزبين الإسلاميين على مشروع القانون يستند الى أسباب موضوعية رغم أنهما كانا من أكثر المتحمسين للقانون وتبنوا فكرته منذ البداية باعتباره آلية جديدة للتمويل تسهم فى حل ولو جزئى لمشكلة عجز الموازنة. ولن أتعرض هنا لأسباب اعتراض هذين الحزبين على مشروع القانون فهما أقدر على ذلك إلا أننى أناقش فكرة جوهرية فى هذا القانون كفيلة بأن تنسفه تماما. وبداية فإن اللجوء الى آلية الصكوك الإسلامية جاءت كأحد الحلول التى تسمح للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بشراء والاستثمار فى أدوات الدين الحكومية نظرا لأن هذه البنوك الإسلامية لم تكن تستطيع على سبيل المثال شراء سندات وأذون الخزانة الحكومية نظرا لأنها محددة العائد سلفا الأمر الذى يتعارض مع المرجعية الشرعية لهذه البنوك وفى نفس الوقت تتيح هذه الآلية للحكومة أن تجد مشترين جددا لديونها التى تزداد يوما بعد يوم بما يسمح لها بتنويع المخاطر وتعدد مصادر الحصول على التمويل أى أننا هنا أمام مصالح متبادلة ولا بأس من ذلك. لكن كان من الطبيعى ان يسمح القانون الجديد لكل من يبحث عن التمويل عبر آلية الصكوك الإسلامية بطرح مثل هذه الصكوك سواء كان من الحكومة او شركات القطاع العام او الخاص إلا أن ما حدث هو أن مشروع القانون الجديد قصر حق اصدار هذه الصكوك على الحكومة وشركاتها والهيئات السيادية ووحدات الحكم المحلى وكأن الحكومة تريد أن تستأثر لنفسها وشركاتها بالسيولة التى تتيحها هذه الآلية دون ان تسمح لغيرها بالاستفادة، أما النقطة الأخطر فى مشروع القانون فهو تلك المواد التى تلزم الحكومة برهن أصول سيادية وأصول اقتصادية عامة مقابل ما تصدره من صكوك ثم تسمح لنفسها بإمكانية إعادة تأجير هذه الاصول من المرتهن لحسابه وهم جماعة حملة الصكوك، على سبيل المثال اذا ارادت الحكومة مثلا ان تقترض عبر آلية الصكوك لإنشاء خط جديد لمترو الانفاق عليها ان تقوم برهن الخط الأول او الثانى لحساب حملة الصكوك ثم تؤجر هذا الخط وتدفع مقابل هذا التأجير طيلة مدة استحقاق هذه الصكوك. إذن ماذا لو عجزت الحكومة عن سداد قيمة هذه الصكوك عند موعد استحقاقها القانون الجديد لم يتعرض لهذا السؤال الا ان البديهى هو ان يكون من حق حملة الصكوك بيع الاصول المرهونة لاستيفاء حقوقهم، وماذا لو حدث نزاع هنا يسمح القانون لحملة الصكوك بتكوين روابط وجماعات تدافع عن مصالحهم وتمثلهم فى النزاعات سواء امام المحاكم الوطنية او جهات التحكيم الدولية. واذا علمنا أن هناك امكانية لتداول هذه الصكوك فهذا يعنى ان الملكية ربما تنتقل من جهات ومواطنين مصريين الى اجانب. وبالتالى فإننا فى نهاية المطاف ربما نجد أصولا سيادية مصرية مرهونة لحساب مستثمرين اجانب وبيوت مال عالمية لن تتردد فى فعل اى شىء للحصول على اموالها بأرباحها كاملة هنا نكون وبصراحة مؤلمة امام المشهد التاريخى للخديو اسماعيل عندما قام برهن حصة مصر فى قناة السويس لصالح الدائنين الاجانب فهل يمكن ان يتكرر هذا المشهد. الحكومة تصدر سندات وأذونا دون قيد او شرط ودون رهن او غيره والبنوك تشترى هذه الأوراق الحكومية من حصيلة مدخرات الشعب فلماذا نمنح الصكوك واصحابها امتيازا لم يطلبوه وهو امتياز يفوق ما تحصل عليه البنوك العامة. وهذا الامتياز ربما يدخل المديونية الحكومية فى دوائر نحن فى غنى عنها خاصة فى هذه الظروف البالغة السوء