حسنا فعل مجلس النواب بمنحه تراخيص مؤقتة للمحال العامة المخالفة لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات ريثما يتم توفيق أوضاع هذه المحال مع القانون الجديد الذى يجرى إقراره حاليا، وكذلك التوافق مع مجموعة القوانين الأخرى ذات العلاقة بأنشطة المحال العامة وهى كثيرة ومتشعبة، وبعضها غير كامل أو غير مفعل، وبعضها الآخر يحتاج إلى تعديلات جوهرية. التراخيص المؤقتة من شأنها الإسراع بتحقيق الأهداف المرجوة من هذا القانون وفى مقدمتها بلا شك تحقيق قفزة كمية فى عملية إدماج الاقتصاد الأسود فى الاقتصاد الرسمى كما تؤدى "شرعنة" المحال المخالفة إلى الحد من مظاهر الفساد الشنيع الذى يحيط بالأسواق التجارية من موظفى المحليات.. وغير المحليات. بلا مبالغة، فإن قانون تنظيم المحال التجارية الذى يوشك على الصدور الآن يعد واحدا من أهم القوانين التى ينتظرها الناس والأسواق بشغف لأثره المباشر فى إعادة النظام والانضباط للشارع المصرى بعد أن بلغ عدد المحال المخالفة أو غير المرخصة عدة ملايين منشأة تمثل فى مجملها ما يزيد على 70% من إجمالى المحال العامة فى البلاد وفقا لتقدير أحد أعضاء مجلس النواب خلال جلسات مناقشة بنود مشروع القانون الجديد. أبرز مشكلات التراخيص للمحال المخالفة أنها مقامة فى مبان هى أصلا غير مرخصة أو مخالفة لشروط الترخيص أو هى منشأة فى مبان أو مناطق لا يسمح فيها بإنشاء أنشطة تجارية، وهذه واحدة من المعضلات التى واجهت السلطات طوال العقود الماضية، إذ كيف يمكن منح تراخيص لمحال منشأة فى مبان غير مستوفية للشروط، وقد أنشأ هذا الإشكال حالة من العشوائية العلنية وغير المسبوقة واتسع نطاق المخالفات حتى طال الأحياء الراقية بعد أن تمكن من الأحياء العشوائية التى تعانى من المخالفات وغياب التراخيص للمبانى والمنشآت معا. المخالفات فى نطاق المحال العامة ظاهرة قديمة ولكنها انتقلت للأحياء المنظمة فى ثمانينيات القرن الماضى، وكانت البداية بمدينة نصر التى تمنع قوانين التخطيط العمرانى بها إنشاء محال تجارية أسفل العمارات ومع تزايد المخالفات فى المبانى على الصورة التى نعرفها جميعا زاد عدد السكان فزاد الطلب على الخدمات التجارية فانتشرت المطاعم والمقاهى وورش الحرفيين والمحال التجارية بوجه عام فى كل شارع، وهى كلها أنشطة غير مرخصة وبالتالى لا تعرف عنها الضرائب شيئا! وفى تسعينيات القرن الماضى انتشرت المقاهى غير المرخصة فى مدينة نصر على نطاق واسع، ومع ارتفاع أرباح المقاهى لا سيما أنها لا تسدد ضرائب فقد زادت وتوسعت حتى أصبحت شوارع بالكامل تتراص فيها المقاهى بجوار بعضها بعضا، ما خلق مشكلات أخرى تتعلق بالبيئة والمرور وحتى خدمات المياه والصرف الصحى، وقد انتقلت هذه العشوائية إلى مصر الجديدة والهرم والدقى وبقية الأحياء لتضاعف من هموم السكان، وإذا كان هذا الحال فى أحياء القاهرة "الراقية" فلا داعى للحديث عما وصلت إليه الأحوال فى الأحياء العشوائية وتلك التى ظهرت بعد ثورة يناير.. وعن الأحوال فى بقية المحافظات. قانون المحال العامة لن يتمكن من تحقيق كامل أهدافه ما لم تستكمل بقية التشريعات المنظمة للشارع المصرى وفى مقدمتها لوائح التنظيم والقوانين العقارية بعد تطويرها للتعامل مع المتغيرات التى طرأت ثم إقرار قانون التصالح فى المخالفات العقارية وهو قانون ثقيل على القلوب والعقول لكنه أصبح ضروريا ل"شرعنة" بعض أخطاء الماضى وتصويب الأوضاع القانونية للعقارات والمنشآت التجارية القابلة للاستمرار، ثم بعد ذلك التأكد من التطبيق النزيه والصارم للقوانين المنظمة للشارع وللحياة العامة فيما يلى من إنشاءات. العوائد المتوقعة نتيجة "شرعنة" المحال المخالفة يمكن أن تتجاوز عشرات المليارات من الجنيهات فى صورة ضرائب ورسوم كان يتعذر تحصيلها فى ظل الأوضاع الراهنة رغم الإيرادات المعتبرة التى تحققها معظم هذه الأنشطة، غير أن الجانب المادى ليس الإنجاز الوحيد ولا يقل عنه إدماج ملايين المحال المخالفة فى الاقتصاد الرسمى بما يعنيه ذلك من شفافية وانضباط. الانضباط أيضا سيتحقق فى الشارع كما نأمل فى إزالة الأنشطة المزعجة والملوثة للبيئة من المناطق السكنية كما هو متوقع عند تطبيق هذا القانون.. وربما يتيح صدور هذا القانون وتطبيقه العودة مرة أخرى لتفعيل مواعيد العمل "الطبيعية" التى يسمح فيها للمحال العامة بالعمل كما هو الحال فى الدنيا كلها وكما كان الحال عندنا حتى خمسينيات وستينيات القرن الماضى قبل أن تسمح هذه المنشآت لنفسها بالسهر حتى الفجر دون داع، ما خلق مشكلات اجتماعية ومهنية آن لنا مواجهتها.. وهذه قضية أخرى.