اندهشت كثيرا عندما اطلعت على تحقيق فى هذا العدد من المجلة حول ارتفاع الفجوة الغذائية من الفول، سبب اندهاشى أننا كنا ننعم بالاكتفاء الذاتى إلى وقت قريب، وعندما بدأنا الاستيراد فى بداية الألفية الجديدة قامت الدنيا ولم تقعد وأصبح الأمر يتم تداوله على سبيل السخرية،لم يكن لدى علم بأن حجم استيراد مصر من هذا المحصول -الذى يمثل غذاء أساسيا على مائدة جميع المصريين يوميا- وصل إلى هذا الحد وارتفع ليصل إلى 70% حاليا! لهذه الأسباب يكتسب مشروع الصوبات الزراعية الذى افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أسبوعين، أهمية خاصة وكبرى، بداية هذا مؤشر إيجابى مهم يعكس تبنى المحاور المتوازية فى دفع التنمية الاقتصادية، كما يعنى أن الاهتمام بالتنمية فى القطاعات الاقتصادية الأساسية وفى مقدمتها قطاع الزراعة يحظى بأولوية من أجل دفع التنمية المستدامة، إلى جانب الاهتمام بضخ الاستثمار والتنمية فى المشروعات القومية فى البنية التحتية وشبكة الطرق والأنفاق التى تربط سيناء بمدن القناة والدلتا لأول مرة، وإقامة العاصمة الإدارية والمدن الجديدة، الزراعة تسهم بالنسبة الكبرى فى التشغيل والناتج المحلى الإجمالى إذ تصل مساهمة القطاع الزراعى والداجنى إلى نحو 14% من الناتج المحلى الإجمالى كما تستحوذ على ما يزيد على 25% من القوى العاملة. إن مصر تحتل المرتبة الثانية عالميا فى الزراعة المحمية "الصوبات الزراعية" هذا إنجاز مهم وتطور كبير فى وقت قصير، لابد أن نذكر الدور الكبير والبارز الذى تقوم به الشركة الوطنية للزراعات المحمية التابعة لجهاز الخدمة الوطنية صاحب الدور الكبير على مدى السنوات الأربع الماضية فى دفع التنمية فى جميع المجالات، لقد نجحت الشركة الوطنية فى اختصار الفترة بشكل كبير ولافت بشهادة الشركات العالمية، ما كان يمكن أن يستغرق تنفيذه فى 30 عاما تم فى عامين هذا كلام مسئول شركة "روفيبا تكنو أجرو الإسبانية"، هذا المشروع يعكس اهتمام الدولة بسد الفجوة الغذائية التى تمثل تحديا كبيرا، الانكشاف الغذائى اتسعت رقعته كثيرا خلال السنوات الماضية بسبب إغفال الاهتمام بالاستثمار فى قطاع الزراعة واستصلاح الأراضى والتعدى على الأراضى الزراعية بتجريفها والبناء عليها دون رادع من القانون وتراخ من الدولة والتوظيف السياسى فى الانتخابات البرلمانية لتلك المشكلة الخطيرة بتنازل الدولة وتوصيل الكهرباء والمرافق للمنازل على الأراضى الزراعية، مصر البلد الزراعى تستورد نحو 65% من الغذاء، بعدما تزايدت حدة الفجوة. اهتمام الدولة بالزراعة لم يقتصر على التصدى بقوة وحسم للتعدى على الأراضى الزراعية، ولكن بضخ استثمارات فى هذا القطاع الحيوى، من خلال استصلاح المليون ونصف المليون فدان، والتوسع فى الاستثمار فى الصوبات الزراعية، ما تم إنجازه فى عامين فى هذا المجال بإقامة 7100 صوبة زراعية على مساحة 34 ألف فدان زراعى إنتاجها مليون ونصف مليون طن خضراوات يوازى إنتاج 150 ألف فدان زراعة مكشوفة، إنتاج الفدان فى الصوبات يمثل 10 أضعاف الزراعة المكشوفة، ناهيك عن توفير نحو 60% من مياه الرى. الاستثمار فى قطاع الزراعة لم يقتصر على التوسع فى إقامة الصوبات، بل فى توطين إنتاج بذور الخضر والفاكهة بالتعاون مع كبريات الشركات العالمية الذى يتم بالتعاون مع شركة ميريديام الإسبانية، ذلك المشروع الذى سيضع مصر فى مقدمة الدول فى إفريقيا والعالم العربى التى تقوم بإنتاج بذور خضراوات، ما يتيح لها تصديرها إلى تلك الدول. الاهتمام بسد الفجوة الغذائية يمثل تحديا كبيرا إزاء معدلات النمو السكانى العالية وما سبق الإشارة إليه من تراجع الاستثمار فى الزراعة والغذاء بشكل عام، لكن الرئيس السيسى يضع هذا الأمر فى مقدمة الأولويات ضمن رؤية مصر 2030، والتى تسعى إلى تقليص الفجوة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتى من بعض المنتجات، هذا الأمر يتم تنفيذه على محاور موازية، يكفى أن نشير إلى البرنامج القومى لتطوير وتحديث التصنيع الزراعى، الذى يجرى تنفيذه ويستهدف زيادة القيمة المضافة للمنتجات الزراعة من خلال الارتقاء بعناصر الجودة، وتهيئة المنتجات المصنعة للتصدير، وإقامة قرى إنتاجية متخصصة فى صناعة المنتجات الزراعة والزيتون والتمور والألبان، وقد شهدت القروض المصرفية لهذا المشروع زيادة ملموسة إذ سجلت نحو مليار جنيه من البنك الأهلى والبنك الزراعى للمشروعات الصغيرة فى مجال الإنتاج الحيوانى، إلى جانب تمويلات بنحو 276 مليون جنيه ضمن مبادرة البنك المركزى لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة معظمها لصالح للشباب والمرأة فى مجال التصنيع الزراعى. الاستثمار فى الإنتاج الحيوانى حيث أسهم نظام التحصين والترقيم فى زيادة الثروة الحيوانية بنحو 15% والتى تصل حاليا إلى نحو 2.3 مليون رأس، إضافة إلى الثروة الداجنة التى تصل إلى 1.2 مليار طائر، كما أن مبادرة المشروعات الصغيرة أسهمت فى تمويل نحو 28 ألف مزرعة للثروة الداجنة وهو ما انعكس إيجابيا فى خفض نسبة وحجم استيراد اللحوم. يبقى أن نشير إلى مشروع المزارع السمكية حيث أصبحت مصر ثانى أكبر منتج للسمك البلطى فى العالم والأولى فى إفريقيا فى الوقت الحالى وأسهم ارتفاع الإنتاج المحلى إلى 1.8 مليون طن أسماك سنويا 80% منها من الاستزراع السمكى، وأسهم هذا التطور فى تقليص الفجوة فى هذا المجال بنسبة كبيرة إلى جانب تصدر الأسماك من مصر إلى أوروبا والدول العربية، والأهم أن هذا التطور يأتى ضمن خطة لزيادة إنتاج الأسماك بنحو 12% سنويا خلال الفترة المقبلة.