الكل يعرف بطولات مانشستر يونايتد وليفربول في الدوري الانجليزي والاوروبي،لكن اليوم نتعرف علي بطولات من نوع آخر، بطولات اقتصادية تحققها شركات تكنولوجية ناشئة مستوحاة من اسطورة سيليكون فالي. علي مدي سنوات طويلة هيمنت شركات وادي السليكون الامريكية علي المشهد التكنولوجي العالمي،وعلي خطاها سار كثيرون، وهذه الأيام تظهر منطقة شمال بريطانيا كواحة تكنولوجية صاعدة بما يعكس الطفرة التكنولوجية التي تشهدها المملكة المتحدة. اعتناق التكنولوجيا الرقمية،بما يفوق كثيرا من الدول الاوروبية،وتستحوذ المنطقة الشمالية علي معظم هذا التقدم،فيوجد بها بعض من أكبر شركات التكنولوجيا البريطانية،مثل مجموعة “سايج” للبرمجة،وشركة “هات” الرقمية للتجزئة والتي تحقق أرباحا سنوية بنحو 335 مليون جنيه استرليني،وتبني كل من مانشستر وليدز وشيفيلد ومدن شمال شرق المملكة مناطق تكنولوجية علي أعلي مستوي. وتسير المملكة المتحدة بخطوات سريعة نحو ومن أجل تشجيع قطاع التكنولوجيا تم إنشاء وكالة “تكنولوجي نورث” الحكومية العام الماضي والتي تقول إنه تم توفير ما يقرب من 300 ألف وظيفة تكنولوجية في المنطقة. ووفقا لتقديرات الوكالة فإن القيمة الاقتصادية لشركات التكنولوجيا تصل إلي نحو 10 مليارات جنيه استرليني،ويبلغ متوسط الرواتب في تلك الشركات حوالي 45 ألف جنيه استرليني، وتعد مانشستر هي أكبر منطقة تكنولوجية في بريطانيا وتوفر 52 ألف فرصة عمل لتحقق ناتجا اقتصاديا بنحو 2.2 مليار جنيه استرليني سنويا، وهذا النجاح شجع علي انتقال أكثر من 0002 موظف من موظفي البي بي سي إليها مؤخرا. وتتفوق منطقة شمال بريطانيا علي كل من السويد والمانيا في عدد الشركات التكنولوجية بها التي تزيد قيمتها على مليار جنيه استرليني،وتصل إلي 11 شركة بريطانية،وذلك بحسب إحصاءات بنك جي بي الاستثماري . ويقول مسئولون في فرع البنك في مانشستر إن نجاح المنطقة بدأ يسترعي انتباه مستثمرين اعتادوا تركيز اهتمامهم علي لندن فقط، وهو ما تعكسه صفقات تم إبرامها في الفترة الأخيرة بين البنك ومستثمرين امريكيين، وعلي سبيل المثال استثمر صندوق “جيه إم آي “ للأسهم الخاصة في ديسمبر الماضي 23 مليون جنيه استرليني في شركة “افيكتو” للأمن الالكتروني التي يقع مقرها في مانشستر. ووفقا لدراسة أجراها البنك فإن أسرع 05 شركة تكنولوجية نموا في شمال المملكة (بما في ذلك اسكتلندا) تضاعفت إيراداتها تقريبا في عام 5102 إلي 21.1 مليار جنيه استرليني. كما تستثمر شركة “يوبي سوفت” - ثالث أكبر شركة للألعاب الالكترونية في العالم- مبالغ ضخمة في مدينة نيوكاسل التي تقع شمال شرق انجلترا مما يوفر مئات الوظائف .وتحرص الشركة علي تطوير امكانياتها التكنولوجية أملا في جذب خريجي جامعة نيوكاسل إحدى الجامعات الرائدة في العالم في مجال أبحاث علوم الكمبيوتر. وتعد نيوكاسل أيضا من أكثر المدن تقدما في مجالات البرمجة والدعم الفني والألعاب الالكترونية والخدمات المبتكرة وتوفر ما يزيد على 27 ألف وظيفة،ما ساعد كلية التكنولوجيا بها علي الحصول علي تمويل بقيمة 10 ملايين جنيه استرليني لتدريب الشباب من سن 41 إلي 18 سنة علي صقل مهاراتهم التكنولوجية،المدينة هي أيضا موطن “ايجنايت” برنامج تسريع التكنولوجيا الذي تم إطلاقه مؤخرا في لندن. ويقول شارلي هولت رئيس شبكة “دينمو نورث ايست” لرواد أعمال التكنولوجيا إن المنطقة كانت موطن العديد من الشركات المسماة وحيدات القرن أو “يونيكورن” الجديدة - التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر- مشيرا إلي الانتشار السريع للتكنولوجيا فيها. بل إن ثمار التقدم التكنولوجي لا تقتصر علي القطاع فحسب،فهي محرك لقطاعات أخري مثل الخدمات والتعليم وتغذي انتعاش بزنس العقارات والتدريب والتوظيف والمحاماة والجامعات أيضا. يذكر أن لدي ليفربول صناعة ألعاب الكترونية قوية منذ سنوات طويلة، ويعمل حوالي 30 ألف شخص في الصناعات الرقمية والابتكارية بها،ووفقا لدراسة حديثة لشركة “اميكون” للاستشارات فإن الاقتصاد الرقمي يوفر ما يقرب من 6% من جميع الوظائف وهي نسبة تزيد عما تتمتع به مانشستر. وعلي الصعيد الحكومي استثمرت الحكومة البريطانية مؤخرا 11 مليون جنيه استرليني في أربع مناطق تكنولوجية ناشئة في شمال المملكة. وتستطيع الشركات الصغيرة في بريطانيا الحصول علي تمويل مدعوم من الاتحاد الاوروبي، وقد حصلت منطقة شمال شرق المملكة علي تمويل بقيمة 061 مليون جنيه استرليني في حين لدي المناطق الأخري صندوق استثمار بقيمة 004 مليون جنيه استرليني. وتتعاون الجامعات البريطانية مع الشركات التكنولوجية في إطار سلسلة من المشاريع الممولة من قبل الحكومة، وعلي سبيل المثال أقامت أكثر من 35 شركة في أنحاء العالم شراكة مع جامعة مانشستر، من أجل تطوير مشروعات الجرافين. والعام الماضي تم افتتاح المعهد الوطني للجرافين في مانشستر بتكلفه 61 مليون جنيه استرليني،ويجمع المعهد أبرز الأكاديميين والعلماء ورجال الأعمال، للمساعدة في تطوير تطبيقات المستقبل، بما يضع بريطانيا في مكانة متميزة في العالم لقيادة تقنية مادة الجرافين متعددة الاستخدامات . كما يوجد في مانشستر أيضا معهد سير هنري رويس لبحوث المواد المتقدمة والابتكار الذي تقدر تكلفته بنحو 235 مليون جنيه استرليني، ويتميز المعهد بامتلاكه لستة مراكز ستالايت تتضمن شيفيلد وليدز وليفربول. ويوجد في مدينة نيوكاسل أيضا المركز القومي لعلوم الشيخوخة والابتكار،الذي بلغت تكلفته 40 مليون جنيه استرليني،وقد قامت مدينة شيفيلد كذلك ببناء “مصنع المستقبل” الذي يمكن إعادة تصميمه لتصنيع مكونات تكنولوجية مختلفة. من ناحية أخري يري ستيوارت ماركس أحد رواد الأعمال الذي كان لديه شركة للبيانات وباعها في عام 2012 ليستثمر في شركات أخري ناشئة أن التقدم التكنولوجي الذي أحرزته شمال بريطانيا غير كاف، وأن المنطقة بحاجة إلي تواصل بشكل أكبر مع الشركات الأخري في لندن وسيليكون فالي،ويقول إن الحكومة جادة بشأن دعم القطاع غير أن الأمر يحتاج إلي جهود القطاع الخاص لتحويل الحلم إلي حقيقة والتفوق علي وادي السيليكون الامريكي. ويشير خبراء إلي حاجة الشركات التكنولوجية الناشئة في شمال المملكة إلي إجراء تغييرات مهمة والاتجاه إلي تأسيس فروع لها في لندن من أجل جذب استثمارات أكبر من شركات مثل جوجل،إذ إن التواجد في العاصمة يتيح للشركات فرصة النمو بوتيرة أسرع بتيسير الحصول علي تمويل أكبر.