يتردد هذا التساؤل فى أذهان كل المصريين بمختلف فئاتهم حول توقيت جنى الثمار وليس تحققها من عدمه. فالمستثمرون ينتظرون بيئة أعمال أكثر سهولة ويسرا فى مزاولة أعمالهم، والعاملون والحرفيون وأصحاب المعاشات ينتظرون إنصافا وتحسنا فى دخولهم وأسعارا لا يكتوون بنارها، والعاطلون يتطلعون الى فرص للعمل وعيش كريم. لذا فالمواطن البسيط كثيرا ما يبدى استغرابه لما تعلنه حكومة المهندس شريف إسماعيل فى كل محفل وعبر وسائل الإعلام المختلفة عن سعادتها البالغة ورضاها الكامل بإشادة المجتمع الدولى وكذا مؤسساته المالية خاصة صندوق النقد الدولى بما حققه الاقتصاد المصرى من تحسن ملموس فى أدائه بعد مرور سنة على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى. من أمثلة ذلك إعراب الحكومة عن سعادتها البالغة بما جاء فى المؤتمر الصحفى press Conference الذى عقد بمقر الصندوق بواشنطن يوم 27 من سبتمبر الماضى، على لسان السيد/ سوبر لول Suber Lull المعنى الآن بملف الاقتصاد المصرى فى إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا (بدلا من السيد/ كريس جارفيس الذى انتقل إلى إدارة أخرى بالصندوق) عندما قدم تقييما دقيقا لأداء الاقتصاد المصرى وإجابته لعدد من الأسئلة التى طرحتها وسائل إعلام مصرية وأخرى عالمية مهتمة بالشأن الاقتصادى المصرى وذلك عبر وسائل التواصل الإلكترونى. لقد كانت معظم الأسئلة المطروحة تتمحور حول التساؤل نفسه، أى متى سينعكس هذا الأداء الجيد لبرنامج الإصلاح الاقتصادى على حياة المواطن المصرى؟ لقد كانت كل إجاباته تؤكد أن للإصلاح ثمارا بدأت تلوح فى الأفق، ولكنه لم يحدد متى يحين قطافها؛ فالسيد/ لول يتحدث من منظور كلى Macro-prospective: تطور أداء الاقتصاد المصرى من حيث النمو والتشغيل والأسعار ووضع الموازنة الحكومية والميزان الخارجى وسعر الصرف واحتياطات النقد الأجنبى لدى البنك المركز التى فى مجملها تطورات إيجابية تؤكد تحقيق البرنامج لثمار حقيقية, ولكنهم -يا للأسف!- لا يربطونه بالمنظور الجزئى وانعكاساته على حياة المواطن المصرى. أعتقد أن توقيت جنى المواطن لثمار الإصلاح يكمن فى احترافية الربط بين المنظورين، الكلى والجزئى، لبث الطمأنينة لدى المواطن بأن ثمار الإصلاح سوف تصل إليه بعد فترة محددة يتمكن خلالها أن يكيف أوضاعه المعيشية بشكل مريح ومقبول. وفى ضوء ما سبق، وفى اعتقادى الشخصى ومن خلال متابعتى لتعليقات مسئولى وخبراء الصندوق يمكننى أن أستخلص إجابة عن هذا التساؤل المهم. لقد أشار السيد/ لول إلى توقعات خبراء الصندوق باتجاه معدلات الغلاء والتضخم السنوى نحو الانخفاض المتدرج من 33% حاليا إلى 10% بنهاية 2018، وذلك لسببين رئيسيين وهما: أولا، يتسم برنامج الإصلاح بكونه برنامجا ذا ثقل أمامى Front) Loaded) أى أن نحو 80% من الإجراءات الصعبة للإصلاح (رفع أسعار الطاقة وضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف) قد تم الانتهاء منها فى السنة الأولى للبرنامج، وهى الإجراءات التى كانت سببا رئيسيا وراء الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار فى الفترة الأخيرة. ثانيا، أن انخفاض معدلات التضخم سوف يمكن البنك المركزى من تخفيض أسعار الفائدة تدريجيا، ومن ثم تشجيع الاستثمار وخلق مزيد من فرص العمل للمواطن المصرى. إن الاحتياجات الأساسية للمواطن البسيط تتلخص فى أن يجد فرصة عمل بدخل مناسب لا تأكله الأسعار. وفيما يلى استعراض للتقييم الذى قدمه كل من السيد/ سوبر لول فى إطار المراجعة الأولى لتقييم أداء الاقتصاد المصرى، الذى يعكس سر إشادة كل من السيدة/ كريستين لاجارد، مديرة عام صندوق النقد الدولى، والسيد/ ديفيد ليبتون، نائبها الأول بما حققه الاقتصاد المصرى من نتائج جيدة، ففى بيان السيدة/ كريستين لاجارد، أعربت عن سعادتها بالأداء الجيد لمؤشرات الاقتصاد المصرى فى ظل برنامج الإصلاح الاقتصادى الممول من خلال «تسهيل الصندوق الممدد» (Extended Fund Facility –EFF) لمدة ثلاث سنوات بدءا من نوفمبر 2016، حيث بدأت كلمتها بالتهنئة لمصر، حكومةً وشعباً، على ما حققته من نجاح فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الوطنى الطموح. وأشارت إلى أن موافقة المجلس التنفيذى على ما جاء بالمراجعة الأولى وصرف الشريحة الثانية يعد شهادة ثقة بأن مصر تسير بخطى واثقة نحو تحقيق الاستقرار المالى والنمو الاقتصادى الأكثر احتوائية لكل المصريين. كذلك أكد أعضاء المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى (24 مديرا تنفيذيا يمثلون 189دولة أعضاء بالصندوق) فى 13 من يوليو 2017 النتائج الإيجابية فى تقييمهم لأداء برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى الذى بدأت الحكومة فى تطبيقه فى 11 من نوفمبر 2016 ولمدة ثلاث سنوات بتمويل من الصندوق تبلغ قيمته نحو 12 مليار دولار، أى بنسبة 422% من حصة مصر بالصندوق. أثنى المجلس التنفيذى بقدرة وجرأة الحكومة المصرية على تحقيق الأهداف المرحلية للبرنامج من حيث تعزيزه للنمو الاحتوائى وخلق مزيد من فرص العمل واستعادة الاستقرار المالى وتحقيق وضع ممكن وقابل للاستمرار (Viable) فى ميزان المدفوعات، وذلك من خلال تطبيق سياسات اقتصادية وإجراءات تستهدف تصحيح الاختلالات المالية وإصلاح التشوهات الهيكلية المزمنة فى جسم الاقتصاد المصرى مع حماية الطبقات محدودة الدخل.