لا شك أن جولات الرئيس عبدالفتاح السيسى لها أبعاد اقتصادية مهمة حيث جاءت دعوة الرئيس للمشاركة فى قمة فيشجراد فى المجر لتعكس استعادة الدور المصرى وما يترتب عليه من فتح المجال للتعاون الاقتصادى مع هذه الدول، وقد سبق مشاركة الرئيس فى هذه القمة مشاركته فى قمة مجموعة العشرين برئاسة ألمانيا للشراكة مع دول القارة الإفريقية فى دورتها الحادية والعشرين سعيا نحو الاستثمار فى مستقبل مشترك، حيث تقدم مجموعة العشرين لإفريقيا الاستثمارات والتمويل والمعرفة التكنولوجية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، وفى المقابل تقدم دول إفريقيا لألمانيا سوقا واسعة وسلة الغذاء الآمنة ومخزن المواد الخام المستدام. جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ألمانيا للمشاركة فى هذه القمة التى ترؤس مبادرة مجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا تحت شعار “الاستثمار فى مستقبل مشترك”، التى تتضمن الكثير من الأبعاد الاقتصادية على مختلف الاصعدة، والتى تمكن مناقشتها من خلال محورين أساسيين الأول على المستوى الإفريقى والثانى على المستوى العلاقات الثنائية. فعلى صعيد المحور الأول، اى على مستوى العلاقات الألمانية الإفريقية، فإن وجود مصر فى هذه القمة، يمكن ان يحقق نوعا من الشراكة المتكاملة بين ألمانيا ومصر وباقى دول القارة الإفريقية لتصب فى صالحها من الناحية الاقتصادية والسياسية. يعد ذلك دليلا قويا على محورية الدور الذى تقوم به مصر لقارتها السمراء فى المنظومة العالمية. تأتى مشاركة مصر فى هذه القمة فى إطار أهمية تفعيل التعاون ما بين الدول الإفريقية ومجموعة العشرين فى مختلف المجالات التنموية، ولا شك أن دعوة ألمانيا لتسعٍ من الدول الإفريقية ذات الثقل وعلى رأسها مصر، سيساهم فى تحويل مصر لمركز رئيسى لنفاذ المنتجات الاوربية لدول إفريقيا، فضلا عن ضخ مزيد من الاستثمارات فى مجالات دعم مشروعات البنية الاساسية والخدمات الاجتماعية من دول مجموعة العشرين وكذلك من المؤسسات المالية الدولية المعنية بهذا الشأن كالبنك الدولى والبنك الإفريقى للتنمية وصندوق النقد الدولى غيرها وبشكل يضمن استدامة هذا التمويل بما يساهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى معيشة أبناء تلك القارة الواعدة. المحور الثانى للزيارة يتمثل فى تعميق التعاون الاقتصادى الثنائى بين مصر وألمانيا فى شتى المجالات، حيث تعد ألمانيا ثالث أهم شريك تجارى لمصر على مستوى العالم والأول على مستوى أوروبا. وفى هذا الاطار عقد الرئيس السيسى خلال زيارته لقاءات مع العديد من المسئولين الألمان المعنيين بالشئون الاقتصادية ومجموعة من رؤساء كبرى الشركات الألمانية، كما شارك الرئيس السيسى بإلقاء كلمة فى الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادى، وشهد ايضا التوقيع على محضر أعمال اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين. لا شك ان هذه اللقاءات ستحقق فرصا استثمارية كبيرة، كما سيكون لها انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المصرى، خاصة أنها ستساهم فى التواصل عن قرب مع الجانب الألمانى ومن ثم زيادة فرص الاستثمار، وتحسين صورة مصر اقتصاديا فى الخارج وزيادة فرص الاستثمارات والشراكات الاقتصادية. إن مشاركة مصر فى هذه القمة تشكل دفعة قوية لجذب مزيد من الاستثمارات الألمانية وضخها فى شرايين الاقتصاد المصرى، خصوصًا بعد الانتهاء من سن قانون الاستثمار الجديد ودخوله حيز التنفيذ. فهناك فرص استثمارية عديدة امام الجانب الالمانى، فقد تم توقيع عدد من الاتفاقيات وبروتوكولات تعاون بلغت ختام الزيارة نحو 203.5 مليون يورو فى مجالات النقل (السكك الحديد) والصحة (المعدات الطبية) وفى مجال الزراعة ( الرى الحديث) انتاج الكهرباء سواء من مصادرها التقليدية او الجديدة والمتجددة. هذا إلى جانب صناعات الكيماويات والأدوية والإلكترونيات، أيضًا مجالات البنية التحتية مثل بناء الطرق والأنفاق والكبارى فألمانيا متقدمة جدًا فى هذا المجال، حيث تقوم شركة ألمانية بالمشاركة فى بناء الأنفاق الستة تحت قناة السويس. كما تتعدد صور التعاون الاقتصادى بين مصر وألمانيا فى مجالات أخرى منها التبادل التجارى بين البلدين الذى بلغ قدره نحو 5.5 مليار دولار ولكنه يعانى من خلل شديد لصالح ألمانيا بسبب تدنى قيمة الصادرات المصرية للسوق الألمانية التى لا تتعدى ربع مليار دولار. ويعزى هذا الخلل الى تواضع الاستثمارات الألمانية (نحو 2.5 مليار دولار) فى مصر التى نتوقع ان تشهد طفرة فى السنوات القادمة، وأخيرا وقعت بروتوكولات تعاون لزيادة اعداد السياح الالمان لمصر البالغ عددهم نحو 650 ألف سائح الذين يعتبرون مصر المقصد السياحى الأول لهم. هذا إلى جانب التعاون فى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك التعليم الفنى وتطويره الذى حظى باهتمام كبير بتوقيع بروتوكول تعاون بخصوصه بهدف الارتقاء بالقطاع الصناعى كونه قاطرة التنمية ومرتكزا من أهم مرتكزات الاقتصاد واستدامته.