قبل سنوات قليلة كان الحديث عن «ذروة النفط» وهى النظرية القائلة بأن إمدادات الخام العالمية، وبعد أن سارت فى مسار تصاعدى لمدة قرن ونصف، كانت على وشك التوقف عن الارتفاع ولن تعود قادرة على مواكبة الطلب. ولكن بعد التغييرات الأخيرة التى شهدتها الأسواق وأبرزها انهيار الأسعار، باتت «ذروة الطلب» هى موضع اهتمام الجميع. تقرير الأسواق لشهر مايو الصادر عن وكالة بلومبرج تناول جانبا من تلك التغييرات، مشيرا إلى أن انخفاض الأسعار خلال الشهور الأخيرة خطة المملكة السعودية لمد أجل عصر الخام وهيمنته على سوق الطاقة العالمى، بعد تنامى مخاوف من أن يؤدى ارتفاع أسعار النفط الخام وتغير المناخ إلى زيادة كفاءة استخدام الطاقة، وتشجيع مصادر الطاقة المتجددة، وتسريع التحول إلى أنواع بديلة من الوقود مثل الغاز الطبيعي. يذكر انه لمدة عشرين عاما راقب سوق النفط العالمى والمقدر بتريليونى دولار تصريحات وزير البترول السعودى على النعيمى كمؤشر لاتجاهات العرض والأسعار. وفى اجتماع أوبك نصف السنوى فى نوفمبر الماضى، أحبط النعيمى تخفيضات الإنتاج المقترحة بدعم من أغلبية 12 عضوًا فى المنظمة لصالح إستراتيجية أكثر جرأة، وهى الحفاظ على مستوى الإنتاج وحصتهم من السوق. وقد انخفضت أسعار النفط 10 ٪ أخرى بحلول نهاية اليوم التالي، وواصلت الانخفاض. وبعد أن بلغ متوسط هذه الأسعار 110 دولارات للبرميل من عام 2011 حتى منتصف عام 2014، انخفض خام برنت، وهو المعيار العالمي، إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل فى يناير الماضي. وفسر كثيرون موقف السعودية بأنه حرب على النفط الصخرى حيث سيجبر انخفاض الأسعار المنتجين المرتفعى التكلفة على الخروج من السوق، إلا إن الاتجاه لخفض الأسعار كان مدفوعا بقلق أكبر بخصوص الطلب على المدى الطويل. وكان النعيمي، والمسئولون السعوديون الآخرون، لسنوات، لديهم مخاوف من انخفاض الطلب على الخام. وقد أشار الكاتب والناشط البيئى الامريكى بيل ماكيبن إلى محاولة السعودية إطالة عمر النفط مرة أخرى، لكنه قال: إن الانخفاض الكبير والمستمر فى تكاليف إنتاج الطاقة من مصادر متجددة قد يجعل الأمر مختلفا هذه المرة. فمع ارتفاع الأسعار فوق حاجز 100 دولار للبرميل اقترب العالم من «ذروة الطلب»، وخلال السنوات الماضية تراجعت حصة منتجى النفط من سوق الطاقة بما يمثل «كارثة» لهم برأى محمد الصبان المستشار السابق لوزير النفط السعودى من 1988 وحتى 2013، الذى أشار إلى ما حققته الاقتصاديات الناشئة فى مجال زيادة كفاءة الطاقة وتنويع مصادرها، ما كان له تأثير كبير على حجم استهلاكها. التقرير نقل عن إد مورس رئيس قسم أبحاث السلع فى سيتى جروب «انزعاج» المسئولين السعوديين من تباطؤ نمو الطلب الصينى بوتيرة متسارعة الذى كان بسبب ارتفاع الأسعار الذى سجل نهاية للتحضر السريع والتصنيع الكثيف الاستهلاك للطاقة. فى الوقت نفسه، يتزايد الاتجاه إلى استبدال النفط بوقود أقل تكلفة، فبعد نمو سنوى بمتوسط 8٪ سنويا لمدة عشر سنوات، انخفض الطلب الصينى على وقود الديزل فى عامى 2013 و2014، وتعزو وكالة الطاقة الدولية هذا الانخفاض إلى التوسع السريع فى استخدام السيارات التى تعمل بالغاز الطبيعى. بل ومن المتوقع ارتفاع الطلب الصينى هذا العام إلى 10.6 مليون برميل بزيادة 26٪ أو نصف متوسط النمو السنوى خلال السنوات العشر الماضية. ومع ذلك، لا يزال نمو الاستهلاك الصينى ضعف الاستهلاك العالمى، وان كانت وكالة الطاقة الدولية خفضت توقعاتها لنمو الطلب فى الصين بنحو 500 ألف برميل يوميا بحلول عام 2019 . وقد خفضت السيارات والمصانع الأكثر كفاءة فى استخدام الطاقة من حاجة الاقتصاد الصينى للنفط بنسبة 18 ٪ فى 2014 مقارنة بعام 2008 . من ناحية أخرى نفى آدم سيمنسكي، رئيس إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن يؤدى انخفاض أسعار الخام إلى إبطاء الجهود المبذولة فى مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح نظرا لعدم وجود منافسة مباشرة مع النفط فى توليد الكهرباء، قائلا إن ما يدعم صناعة السيارات الكهربائية هو الحوافز الضريبية والسياسات الحكومية وربما أيضا التكنولوجيا الخضراء. وبحسب تقديرات بنك أوف أمريكا، السماح بانخفاض الأسعار من مستواها القياسى الأخير فوق حاجز ال100 دولار للبرميل إلى 60 أو 70 دولارا من شأنه تأجيل ما يعرف ب»ذروة الطلب» ما لا يقل عن خمس سنوات، مما سيلحق أضرارا بمصالح شركات الطاقة المتجددة وكل من كان يأمل فى إبطاء وتيرة نمو الاستهلاك العالمى للنفط الذى غير حالة كوكب الأرض عما كانت عليه قبل ضخ أول إنتاج للاستخدام التجارى فى بنسلفانيا فى مطلع ستينيات القرن التاسع عشر. وبالفعل تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاض الإنتاج الصخرى الأمريكى بنحو 45 ألف برميل إلى 4.98 مليون برميل يوميا فى مايو مقارنة مع مستواه فى إبريل . وهو ما سيكون أول انخفاض شهرى فى أربعة أعوام. ولكن وبحسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية فإن تراجع المعروض سيستغرق وقتا أطول من المتوقع سابقا. كما أن إعادة التوازن إلى سوق النفط العالمى لا تزال فى مراحلها الأولى مع تنامى ضبابية آفاقها، وذلك وفقا لرؤية الوكالة. وفى نجاح واضح لإستراتيجيتها الرامية للسماح بهبوط الأسعار من أجل حماية حصتها فى السوق فى مواجهة المنتجين الآخرين، من المتوقع زيادة الطلب على نفط الدول المنتجة فى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هذا العام عن التوقعات السابقة . وتتوقع أوبك التى تضخ ثلث إمدادات النفط فى العالم أن يبلغ متوسط الطلب على نفطها 29.27 مليون برميل يوميا فى 2015 بزيادة 80 ألف برميل يوميا عن تقديراتها السابقة. وكان التقرير الشهرى للمنظمة أكد تقديرات القطاع بخصوص ارتفاع إنتاج أوبك فى مارس بدعم من زيادة إنتاج السعودية والعراق وتعاف جزئى للإنتاج الليبى وهو ما يزيد من تخمة المعروض العالمي. وقال التقرير إن إمدادات المعروض من خارج أوبك ستزيد 680 ألف برميل يوميا هذا العام انخفاضا من توقعات سابقة بزيادة قدرها 850 ألف برميل يوميا بما يعكس انخفاض الإنتاج المتوقع من الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول غير الأعضاء فى المنظمة. ونقل تقرير أوبك عن مصادر ثانوية القول إن المنظمة ضخت 30.79 مليون برميل يوميا فى مارس بزيادة 810 آلاف برميل يوميا عن فبراير. فى الوقت نفسه، رفعت وكالة الطاقة الدولية بشكل طفيف توقعاتها للزيادة فى الطلب العالمى على النفط فى 2015 وأشارت إلى أن إنتاج (أوبك) سينمو بسرعة اقل. وقالت الوكالة فى تقريرها الشهرى لإبريل حول النفط إن استهلاك النفط فى العالم سيرتفع بمقدار 1,1 مليون برميل يوميا هذه السنة ليبلغ 93,6 مليون برميل يوميا. وعزت هذا الارتفاع إلى الطقس البارد فى الربع الأول من العام وبيئة اقتصادية تشهد تحسنا واضحا.