انتشرت فى الفترة الاخيرة ظاهرة الاستغاثات التى تطلقها شركات وجمعيات وافراد عبر الصحف مستغيثين - من وجهة نظرهم - من تعنت مسئول او مطالبين بتأجيل عقاب ادارى، ويدفع اصحاب الاستغاثات الآلاف من الجنيهات فى سبيل توصيل رسالة والاستنجاد بمسئول كبير بدءا من رئيس الدولAة حتى رئيس حي.. الأمر الذى دفعنا الى محاولة تتبع الظاهرة ومعرفة اسباب انتشارها وتعددها مؤخرا وهل تؤتى ثمارها ام ان الامر لا يتعدى النفخ فى الهواء واموال تنفق دون جدوى؟ بالبحث والتتبع رصدنا 73 استغاثة تم الإعلان عنها عبر الصحف القومية والخاصة خلال الشهور الأربعة الأخيرة تكلفت فى المتوسط ما يقرب من 8 ملايين جنيه أشهرها إعلان لمستثمرى قطاع الغزل والنسيج الذين استغاثوا من سوء الاوضاع التى تهدد القطاع وطلبوا تدخل الرئيس السيسى، وقد نشرت الاستغاثة بمساحات متفاوتة بين صفحة اعلانية ونصف الصفحة فى العديد من الصحف ويمكن تقدير التكلفة الاعلانية بما يعادل 2 مليون جنيه لهذه الاستغاثة وحدها.. بجانب ذلك كانت هناك 13 حالة استغاثة لجمعيات ومنظمات اعمال مقابل حالات 9 لأفراد وكلها تنصب حول مشاكل استثمارية ونزاعات عقارية.. من ضمن الاستغاثات قيام صاحب شركة عقارية بمدينة السادات باستغاثة عبر اعلان باحدى الصحف القومية تكلف 02 ألف جنيه، من قرار جهاز المدينة بالغاء قطعة ارض مخصصة للشركة بمساحة 0013 متر منذ عام 3102 بلا سبب وبدون ان ترد عليه لجنة التظلمات.. وعندما بادرت بالاتصال به والاستفسار عن سبب الاستغاثة وتكلفتها قال: ان المشروع متوقف منذ عامين والاستثمارات عاطلة وأصبح مهددا بالافلاس بسبب خطأ ادارى لم يتم تداركه منذ هذا الحين رغم اعتراف مسئولى الجهاز بانهم صادروا الارض قبل انتهاء مهلة زمنية تم منحها لهذا المستثمر لتوفيق اوضاع الارض.. مشيرا الى انه دفع فى الاستغاثة 02 ألف جنيه واختار توجيهها الى المهندس مصطفى مدبولى وزير الاسكان ولكن دون جدوى ولم يرد عليه احد او يعيره اهتماما منذ اعلان الاستغاثة ومرور 42 ساعة عليها .. استغاثة اخرى اطلقها مستثمرو المنطقة الصناعية بالعبور لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزيرى الاستثمار والصناعة مطالبين بتمديد فترة الانتهاء لمشروعاتهم الاستثمارية وعدم سحب الاراضى، وبعد مرور حوالى 3 ايام اعيدت الاستغاثة باسم محافظ القاهرة وتم التعديل بعد تدخل احد المسئولين مطالبا المستغيثين بعدم اغفال المحليات متمثلة فى محافظ القاهرة!! هنا تبدو الاستغاثة محاولة لمنع اتخاذ قرار جاد بعد انتهاء مدة قانونية.. وبعد مرور حوالى شهرين على الاستغاثة قال لنا احد المشاركين فيها: «حتى الان نسمع وعودا ورغبات دون اجراء حقيقى فهل هذا هو مناخ الاستثمار؟» ويبدو ان عدوى الاستغاثات انتقلت الى المستثمرين العرب.. احدى الاستغاثات التى نشرت فى جريدة الاهرام تناولت ازمة مستثمر سودانى مشارك فى شركة بترول، من قيام مسئول قيادى مصرى بالشركة بمنع العضو المنتدب للشركة من حق التوقيع ومنع المدير السودانى من اداء مهامه ونشر رقم تليفون بالاعلان.. الغريب اننا حاولنا عبر اسبوع كامل الاتصال برقم المستشار القانونى للشركة المنشور بالاعلان دون جدوى وبعد مرور 10 ايام رد علينا شخص قال بعد سؤاله عن اخبار الاستغاثة ورد فعلها: «لن نتحدث فى الموضوع ولن اقول اذا تم حلها ام لا» وقام بغلق الخط ولم يرد مرة اخرى.. هنا يبدو- كما يتردد ويقول البعض- ان هناك تعليمات من مسئولين لاصحاب الشكاوى بعدم تكبير الموضوع والخوض فى شوشرة اعلامية اذا ما ارادوا حل القضية !! هذا بالضبط ما حدث مع جمعية اصحاب مصانع الطوب بعرب ابو ساعد الذين استغاثوا مرتين، الاولى منذ ما يقرب من 3 شهور باعلان تكلف 10 الاف جنيه وعندما بادرت بالاتصال بالرقم المذيل بالاعلان قيل لى ان هناك مسئولا من مجلس الوزراء اتصل بالجمعية وطلب التهدئة وسوف يتم حل ازمة امداد المصانع بالطاقة وارتفاع اسعار الطوب.. وبعد مرور حوالى شهر عاودت الجمعية بنشر إعلان اخر تكلف حوالى 20 الف جنيه وعندما اتصلت بالمصدر قال ان وعود المسئولين لم تتحقق فى الاعلان الاول وها نحن نعيد الاستغاثة لعل وعسي!! بجانب ذلك هناك قصص وراء الاستغاثات من عينة بناء ادوار مخالفة والتعدى على اراض وعدم استكمال مرافق.. محمد فرج عامر رئيس جمعية مستثمرى برج العرب يرى ان السبب الرئيسى وراء اغلب الاستغاثات هو الخلل فى القوانين وان كل مسئول وادارى يريد ان يعمل «بمزاجه» والتعنت يؤدى الى الانفجار عند اصحاب الحقوق ولكن هذا لا ينفى ان هناك استغاثات تأتى من منطلق «لَىِّ الذراع» والصوت العالى والضغط على المسئولين امام الرأى العام.. يضيف فرج عامر ان هناك حالة لجمعية قررت بناء عمارة فى منطقة سيدى بشر ولكن توقف البناء فى منتصفه بسبب خطأ ادارى والمحافظ قال»لا تفاهم»رغم انه تم صرف 8 ملايين جنيه فى البناء وبعد ان سدت الابواب لمدة 3 شهور لجأ اصحاب الجمعية الى نشر استغاثة للرئيس السيسى وبعد 3 أيام فوجئوا بمسئول من المحافظة يتصل بهم وتم حل المشكلة!! فهناك اناس «محروقة على حقوقها» - على حد وصف فرج عامر - ولكن لا تدرى ماذا تفعل . د. جورج باسيلى رئيس جمعية بدر سابقا يقول: ان هناك من يعبد اللوائح واوثان الروتين.. واللوائح متضاربة ومعقدة وكل مسئول يضع حلا فى جيبه الايمن وتعقيدا فى جيبه اليسار!! ولا يخفى عن احد حالات الفساد والرشاوى التى مازلنا نعانى منها.. فهل يعقل ان يغلق مصنع يعمل باستثمارات كبيرة بمنطلق التلكيك وتكون النتيجة خراب بيوت.. طبيعى ان يلجأ الناس هنا الى القيادة السياسية. يضيف باسيلى: لابد من فض الاشتباك الادارى بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة المحليات وهيئتى التنمية الصناعية والاستثمار اذا ما اردنا تنمية استثمارية واختفاء الاستغاثات ولابد من اصلاح الهيكل الادارى للدولة والضرب بيد من حديد على كل مسئول متعنت او عابد للروتين بشكل مستفز.