كلما تابعت حال أرضنا الزراعية وما يحدث عليها من عدوان يومى، تذكرت الأسطورة اليونانية القديمة التى تتحدث عن "سيزيف" الذى احتال على الآلهة فعاقبته، كما تقول الاسطورة، عقابا غريبا وهو أن يصعد أعلى التل حاملا صخرة كبيرة، وكلما يصل الى القمة تسقط منه الصخرة الى أسفل سافلين، فيسارع الى النزول ليحملها صاعدا بها مرة أخرى الى أعلى التل، فتسقط من جديد كلما اقترب بها من القمة.. وهكذا الى ما لا نهاية..! وتعد الاسطورة نموذجا للعبثية، وعدم جدوى ما يتم من جهد.. وهو، للأسف، نفس ما يحدث لأرضنا الزراعية.. ففى الوقت الذى تسابق فيه الدولة الزمن لاستصلاح واستزراع ما يقرب من 4 ملايين فدان لزيادة الرقعة الزراعية.. يمارس المعتدون كل أشكال التعدى، ولا أبالغ إن قلت الجرائم، على الاراضى الزراعية فى الوادى القديم، التى لا يمكن تعويضها أبدا، سعيا لتحقيق أهداف آنية ضيقة قد تضر بهم وبأولادهم على المدى المتوسط والطويل. وكأن كل ما تبنيه الدولة فى سنين يهدمه المعتدون المجرمون فى ثوان..! وفى تقرير، وصف بأنه الاول من نوعه، أكدت وزارة الزراعة أن عام 2014 المنصرم سجل أعلى معدلات التعدى على الاراضى الزراعية خلال أربع سنوات..! وهى مفاجأة بكل المقاييس.. فقد كنا نعتقد، قبل إصدار التقرير، أن عام 2011 هو الاعلى فى عدد التعديات، نظرا لحالة الفوضى التى سادت البلاد آنذاك وتراخى أجهزة الدولة عن ضبط المعتدين على الاراضى الزراعية، لكن يبدو أن المخالفين والمعتدين لا يحلو لهم المخالفة وتحدى القانون والقائمين على تنفيذه إلا والبلاد مستقرة والامن مستتب، وأجهزة الدولة فى أحسن حالاتها وكامل لياقتها..!! وهذا الكلام يعنى أن "فيه حاجة غلط".. إما أن القانون غير رادع، أو أنه رادع لكن القائمين على تنفيذه يغضون الطرف عن المخالفات والتعديات لأسباب لا نعلمها.. أو نعلمها لكن مش عايزين نقولها..! وأيا كان السبب فإننى أعتقد أنه لا يمكن لمثل هذا الوضع أن يستمر هكذا، لأنه وضع عبثى قد يقودنا الى فقدان أرضنا الزراعية خلال سنوات قلائل، مما قد يدفعنا الى "التسول"، آسف قصدى "التسوق"، من كل بلاد الدنيا لتوفير قوت يومنا.. وهو ما يعنى أن أمننا الغذائى غير مستتب، وقد يؤثر على أمننا القومى.. لأن توافر رغيف العيش صباح كل يوم على موائد المصريين ومعه طبق الفول.. قضية أمن قومى شاء البعض أم أبى..! وأعتقد أنه آن الاوان لكى نصحح اخطاء التعامل مع أرضنا الزراعية وحمايتها بكل السبل مع ما يقتضيه ذلك من تعديلات تشريعية، ورقابة صارمة للعاملين فى الاجهزة المنوط بها حماية ثروتنا الزراعية، وهى كلها إجراءات يجب أن نبدأ فيها اليوم قبل غد، لأننى أعتقد أن الوقت ليس فى صالحنا أبدا..!