لم تعجبنى كل الزيطة والزمبليطة فى الساحة الاقتصادية حول رفع وكالة «فيتش» الامريكية التصنيف الائتمانى لمصر للاقتراض الطويل الاجل الى «بى» .. فالجميع اعتبر الحكاية وكأنها إنجاز تاريخى يجب ان نقيم له الافراح والليالى الملاح باعتباره لا يقل أهمية عن «فرح ابن العمدة «، لذلك تسابق الجميع للمجاملة بعيارين فى الهوا.. مع أننى أرى على العكس تماما أن درجة «بى» لا تستاهل كل هذه الزيطة والزمبليطة، لأنها، فى تقديرى، لا تليق بمصر ولا تعبر عن التطورات المهمة التى يشهدها الاقتصاد المصرى حاليا..! وكلامى هذا لا يعنى أن هذا التطور الجديد فى تصنيف فيتش لمصر أمر سيئ، بل هو بالتأكيد أمر «جيد» بالنظر الى تصنيفاته السلبية الخمسة السابقة لمصر، لكنه مع ذلك لا يرقى الى درجة «الممتاز» لكى نستقبله بكل هذه الزيطة والزمبليطة، وكأن اقتصادنا كان تحت الصفر فى سابع أرض، وجاء التصنيف الجديد ل»فيتش « ليرفعه الى سابع سما..! هذه ناحية.. أما الناحية الاخرى، التى تجعلنى أضع التقييم «المتواضع» لفيتش تجاه مصر فى خانة الشك، فهى أن شهادة فيتش ليست كلاما مقدسا لا يقبل النقض والابرام، بل هو يقبل الشك فى كثير من الاحيان.. فكلنا يعلم أن وكالات التصنيف الامريكية الكبرى التى يطلقون عليها «الاربعة الكبار» فى العالم، وهى ستاندرد آند بورز وموديز وفيتش وإيه. إم. بيست، لم تستطع أن تتنبأ بالأزمة المالية التى عصفت بالاسواق الامريكية، ومعها بعض الاسواق التابعة، عام 2007 بل على العكس من ذلك ساهمت التقارير الايجابية التى أصدرتها تلك الوكالات، قبيل اندلاع الازمة، التى منحت تصنيفا ائتمانيا ممتازا لأوراق الرهن العقارى، فى تضليل المتعاملين فى السوق، حيث ثبت بعد اندلاع الازمة عجز اصحاب العقارت المرتهنة عن سداد ديونهم، وأصبحت أوراق الرهن العقارى بلا قيمة كأوراق الكلينكس..! وهو ما أدى الى تعرض تلك الوكالات لانتقادات حادة، حتى داخل الولاياتالمتحدة نفسها، واتهمتها المفوضية الاوروبية بإصدار تقارير مختلفة عن الواقع، فى بعض الاحيان، حتى إن البرلمان الاوروبى اضطر الى وضع مجموعة من المعايير الصارمة لضبط أنشطة تلك الوكالات، خوفا من تأثير قيامها بخفض التقييم الائتمانى لبعض الدول الاوروبية على استقرار تلك الدول. وبدأت الدول الاوروبية حملات لتشجيع مؤسساتها المالية على وضع تصنيفاتها الائتمانية بنفسها، دون اللجوء لوكالات التصنيف الامريكية. والخلاصة لكل ما سبق هو أننا يجب ألا نهلل لأى تقييم، مهما كان متواضعا، للاقتصاد المصرى، من هذه الوكالة أو تلك، لأن هذا فضلا عن أنه نوع من الاستجداء الرخيص، فهو أيضا انعكاس لعدم ثقة البعض بمستقبلنا الاقتصادى الواعد، الذى يبشر بكل خير.. بعد أن قطعنا شوطا مهما على الطريق الصحيح للاصلاح.. نعم نحن يا سادة، شاء البعض أو أبى، على الطريق الصحيح.. قلتها وأقولها وسأظل أقولها مادامت هذه هى الحقيقة المجردة دون أى تهويل أو تهوين أو طبل أوزمر..!!